د. علي دربج- خاصّ الأفضل نيوز
بعدما استقر رأي إدارة الرئيس دونالد ترامب، على قرار توجيه ضربة علنية، لاغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم س .لي.ماني، كان مسؤولو الأمن القومي المعنيون بالعملية ــ وجُلّهم من المحافظين المرتبطين عقائديًّا وعمليًّا بالكيان الصهيوني الغاصب ــ يستكملون بدورهم، كافة الأمور اللوجستية والعسكرية، استعدادا للحظة الصفر.
وكيف واكب مسؤولو القومي إعداد مسرح الاغتيال في مطار بغداد؟
في أواخر كانون الثاني 2019 ، بدأ مشغلو قوة دلتا وأعضاء العمليات الخاصة الآخرون بالتسلل إلى بغداد في مجموعات صغيرة. كان العناصر الأكراد ( الذين لعبوا دورًا رئيسيًّا في عملية الاغتيال) قد بدأوا بالفعل بالانتشار في مطار بغداد الدولي في تلك المرحلة، متخفين كمتعهدين للأمتعة وغيرهم من الموظفين.
قال المسؤول العسكري الأمريكي، الذي رفض تحديد العدد الدقيق، إن العملية التي اتسمت بالتعقيد، كانت تتطلب "نشرًا كبيرًا للأفراد". وبالمثل أكد القائم بأعمال وزير الدفاع السابق كريس ميللر إن "هذا كان أكثر التحضيرات تعقيدًا والتي قامت بها الوزارة" في عمليات مكافحة الإرهاب.
وبينما كان مشغلو قوة دلتا وحلفاؤهم الأكراد يتمركزون في مطار بغداد، اجتمعت في واشنطن ، مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين في غرفة العمليات تحضيرا للضربة، وقد ضمت إضافة إلى فيكتوريا كوتس ، المسؤول الأعلى في مجلس الأمن القومي عن الشرق الأوسط (وقت العملية)، كلاًّ من: كيث كيلوغ، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس مايك بنس، وروب غرينواي، كبير مستشاري الشرق الأوسط لترامب في مجلس الأمن القومي، وبراين هوك، الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية في إيران.
بموازاة ذلك، كان وزير الدفاع مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، يشاهدون ويتابعون التنفيذ من مبنى البنتاغون.
بالمقابل تم إشراك الرئيس السابق دونالد ترامب، عن طريق رابط صوتي بغرفة العمليات ، حيث كان يتابع الأحداث من Mar-a-Lago "مار ايه لاغو" (مقر إقامته) مع مستشار الأمن القومي أوبراين ، الذي قطع بهدوء عطلة عيد الميلاد في بالم سبرينغز ، كاليفورنيا ، وطار إلى فلوريدا.
أراد المسؤولون أن يحافظ الرئيس على جدول أعماله بشكل طبيعي قدر الإمكان ، حتى لا يلفت أي انتباه من حدث ما سيقع.
في غرفة العمليات، راقب المسؤولون دقائق الأمور بقلق، بما فيها التواصل السمعي والبصري (بين الأفراد والمجموعات الموكلين بالاغتيال) إلى حد أن الصورة الواقعية للضربة الوشيكة كانوا يشاهدونها مباشرة. تتذكر كوتس في هذه المرحلة ، "أنت تحبس أنفاسك"، فيما قال مسؤول آخر "إن الشعور كان أشبه بمشاهدة تمريرة هبوط في الهواء على أمل أن يتم القبض عليها".
ومع تسمّر المسؤولين الأمريكيين أمام شاشاتهم في غرفة العمليات والبنتاغون، كانت العناصر التنفيذية ومشغلو الطائرة المسيرة بانتظار هدفهم الذي سيهبط في مطار بغداد الدولي. هنا نكون قد أصبحنا أمام اللحظات الأخيرة من حياة س.لي.ماني.
استعدادات قوة دلتا في مطار بغداد الدولي ..لحظات ما قبل وصول طائرة س.لي.ماني
بينما كان ترامب وبعض مستشاريه، وعدد من المسؤولين الكبار، يشاهدون، ويتابعون التنفيذ، قامت ثلاثُ فرق من مشغلي قوة دلتا بإلقاء نظرة على مسرح العملية ضمن نطاق انتشارهم، من مواقع مخفية في مطار بغداد الدولي في كانون الثاني 2020 ، في انتظار هدفهم: قاسم س.لي.ماني ، أقوى قائد عسكري في إيران.
المثير في الأمر أن عناصر قوة دلتا، تنكروا بزي عمال الصيانة ، فيما كان المشغلون قد اختبأوا في مواقعهم في المباني القديمة أو المركبات على جانب الطريق.
كان العملاء الذين تم تجنيدهم في سوريا والعراق يبلّغون من وقت لآخر عن تحركات الجنرال س.لي.ماني ، وفقًا لمسؤول معني. كشفت المراقبة أنه سافر على عدد من شركات الطيران، وأحيانًا تم شراء تذاكر رحلة على أكثر من شركة لتشتيت عيون الجواسيس الذين كانوا يراقبون س.لي.ماني. كذلك توفرت لدى الأمريكيين معلومات (من العملاء الذين كانوا يتعقبون الشهيد) أنه سيصعد إلى طائرته في آخر لحظة ممكنة ، ثم يجلس في الصف الأول في درجة الأعمال، حتى يتمكن من النزول أولاً، والمغادرة بسرعة.
تلك الليلة، كانت باردة ملبدة بالغيوم، وقد تم إغلاق الجانب الجنوبي الشرقي من المطار في غضون مهلة قصيرة لإجراء تدريبات عسكرية - أو هكذا أُبلغت الحكومة العراقية. ولهذه الغاية تمركزت فرق القناصة الثلاث على بعد 600 إلى 900 ياردة (كل 1 ياردة يساوي 3 أقدام) من "منطقة القتل" ، طريق الوصول من المطار، وقد تم توجيه بنادق هذه الفرق وتجهيزها (تجاه النقطة المحددة لنزول س.لي.ماني من الطائرة) بحيث كانت الأصابع على الزناد استعدادًا للتدخل وإطلاق النار (في حال الضرورة) عند مغادرته المطار.
ما يجدر التوقف عنده هنا، أنه كان لدى أحد القناصين منظار رصد مزود بكاميرا تبث مباشرة إلى السفارة الأمريكية في بغداد ، إذ كان يتابع قائد "قوة دلتا الأرضية" مع طاقم الدعم العملية من هناك.
بعد تموضع فرقة دلتا وانتشار قناصيها، برزت مشكلة صغيرة وهي أن مهارة الرماية لدى القناصة، لمسافات بعيدة، قد تواجه عوامل بيئية أو مناخية غير مؤاتية، بما في ذلك الرياح ، لكن فرق دلتا، لم تعتمد على التخمين، ولهذه الغاية، استعانت قوة دلتا، بعضو في مجموعة مكافحة الإرهاب (CTG) ـــ وهي "وحدة كردية نخبوية في شمال العراق" لها صلات عميقة بالعمليات الخاصة الأمريكية ـــ والذي ساعدهم على تحديد اتجاه الرياح وسرعتها ومدى تأثيرها.
في الحلقة القادمة : وصول س.لي.ماني إلى المطار، وتفاصيل خروج موكبه من المطار وإطلاق صواريخ المسيرات عليه.