محمد علوش-خاصّ الأفضل نيوز
قامت الدنيا ولم تقعد بعد العراضة المسلحة التي قامت بها قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية في تشييع جثماني الشهيدين "مصعب سعيد خلف" و"بلال محمد خلف" في عكار شمالي لبنان، تعرضت الجماعة إلى هجوم سياسي واسع ذهب بعيداً في اعتبار المشهد مشجعاً على الفوضى.
يحمل ما حصل خلال التشييع أكثر من وجه، ووجهه الأول الناصع الذي لا يجوز إغفاله هو عنوان المناسبة المتعلقة بتشييع شهداء سقطوا في الحرب مع إسرائيل، رغم أنها لم تكن المرة الأولى ولكن المشهد يؤكد أنها لن تكون الأخيرة أيضاً، فالجماعة بحسب مصادر قيادية فيها لم تدخل المعركة مع إسرائيل عبثاً، بل عن سابق تصور وتصميم وتجهيز وتحضير، وهي مستمرة في مواجهة العدو اليوم، وفي المستقبل أيضاً.
عندما تغيب الدولة عن واجب حماية شعبها وأرضها تُولد المقاومات، فالمقاومة الشعبية لا تولد في زمن رفاهية وجود الدولة كمدافع أساسي عن الحدود والشعب، وهكذا كان في الجنوب عندما وُلدت المقاومة يوم كانت الدولة وربما لا تزال تنظر إلى الجنوب كساحة غريبة عن الوطن، وفي زمن المقاومة كان لا بد للجماعة الإسلامية أن تكون حاضرة ولو بصورة بسيطة بحسب الإمكانات المتوافرة.
من هذا المنطلق تؤكد المصادر القيادية في الجماعة الإسلامية تواجد مقاتليها في صلب هذه المعركة، رغم كل الاتهامات التي توجه إليها بأنها تحركت بسبب تعرض حركة حماس إلى عدوان إسرائيلي على اعتبار أن الخلفية الدينية للطرفين هي نفسها، ولكن بحسب المصادر فإن الجماعة ستحضر في أي معركة تمسّ لبنان أولاً وبشكل أساسيّ، دون الاستخفاف بواجب نصرة الشعب الفلسطيني في قضيته.
الوجه الثاني للتشيع كان سوداويًّا تضمن مشاهد مسلحين يطلقون النار والقذائف في الهواء، وهذا أمر لا يمكن لعاقل أن يتقبله، ولكن بحسب المصادر القيادية في الجماعة الإسلامية فإن قرار الجماعة الرسمي كان رفض الظهور المسلح ناهيك عن إطلاق النار بهذه الطريقة، مشددة على أن المشهد أزعج القيادة وسيتم اتخاذ تدابير لمنع تكراره بهذا الشكل.
تتمسك الجماعة بالدولة اللبنانية وحضورها وهي لم تكن يوماً خارج شرعية الدولة، ولن تكون، تؤكد المصادر، مشيرة إلى أن كل طلبات منع إطلاق النار في الهواء لم يتم الاستجابة لها من قبل أفراد غلبهم الانفعال المتولد من لحظة ومشهد التشييع، جازمة أن هذا الظهور المسلح لن يتم استخدامه سوى في المعركة مع إسرائيل، ولن يُوجه سلاح الجماعة في أي وقت وأي ظرف باتّجاه الداخل اللبناني.
لم تكن الحملات ضد الجماعة الإسلامية بريئة، فمسألة إطلاق النار في الهواء خلال المناسبات هي مسألة مرفوضة ومدانة ولكنها ثقافة تنسحب على كل المجتمع اللبناني، سواء في الضاحية الجنوبية والجنوب، أو الكحالة يوم تشييع فادي بجاني، أو مؤخراً في تشييع شهداء الجماعة الإسلامية، فمنذ بداية دخول الجماعة على خط المواجهات العسكرية في الجنوب، بات ينظر إليها بعين الريبة من قبل العديد من الجهات، المحلية والخارجية، خصوصاً في ظل التداعيات التي من الممكن أن تترتب على الواقع في الساحة السنية، في ظل حالة الفراغ التي تركها غياب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن المشهد السياسي.
هذا الوافع، كان محل متابعة من قبل العديد من الجهات، التي كانت تسعى إلى محاصرة نفوذ الجماعة الذي يتوسع على الساحة السنية، في ظل حالة من التعاطف الكبير في هذه الساحة مع الحدث الفلسطيني، بينما تولت العديد من الجهات في هذه الساحة محاولة التصدي لها، على المستويين السياسي والإعلامي، سواء من خلال التلويح بالعلاقة مع "حزب الله" أو من خلال الاتهامات التي توجه لها بخدمة مشاريع إيران.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم الإعتراضات التي تظهر عند كل ظهور مسلح لها، خلال تشييع عناصرها بشكل أساسي، حيث الرغبة في محاصرتها قبل فوات الأوان من وجهة نظر البعض، إلا أن حجم ردة الفعل على ذلك الذي ظهر في عكار كانت كبيرة جداً لوجود رغبة في استغلاله من أجل التصويب على كل فصائل المقاومة، بالرغم من أن عمليات إطلاق النار في مثل هذه المناسبات أمر شائع رغم إدانته.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن مخابرات الجيش اللبناني أوقفت في الساعات الماضية عدداً من مطلقي النار في الهواء.