كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
بعد ١٣ عامًا على الحرب الكونيّة على سوريا، لإسقاط نظامها، فشلت المؤامرة التي خطّطت لها أميركا مع دول عربيّة وإقليميّة وعالميّة، في دعم ما يسمّى "الرّبيع العربيّ" الّذي اعترفت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السّابقة هيلاري كلينتون أنّ إدارتها برئاسة باراك أوباما، هي من صنعت الفوضى في المنطقة، لرسم خارطة جديدة للشّرق الأوسط، بدأت معالمها مع إدارة الرئيس جورج بوش الابن باحتلال العراق، والدّعوة إلى "شرق أوسط كبير" لنشر الديمقراطيّة، وإقامة أنظمة سياسيّة جديدة، ولو وصل إليها "الإخوان المسلمين".
وكانت سوريا من هذه الدول، وتمّ استهدافها في القرار ١٥٥٩ الصّادر عن مجلس الأمن الدّولي في مطلع أيلول ٢٠٠٤، بتوافق أميركي - فرنسي، ودعا إلى انسحابِ القوّاتِ السّوريّةِ، وحصل ذلك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط ٢٠٠٥، وبدأت مرحلة العداء لسوريا من لبنان عبر فريق ما سمّي "١٤ آذار" بدعم أميركي - سعودي، إلّا أنّ تحوّلًا حصل في العام ٢٠٠٩، وزار العاهل السّعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، وتمّت المصالحة السّوريّةِ - السّعودية، ثمّ السّوريّةِ - اللّبنانيّة، وزار سعد الحريري دمشق وتبعه وليد جنبلاط.
لكن مع الأحداث التي اندلعت في سوريا في آذار ٢٠١١، اصطفَّ الحريري وجنبلاط إلى جانب ما سمّي "ثورة" ستطيح بالنّظام، وإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد، وكل منهما نظر إلى ما يحدث في سوريا، من منظار ثأر شخصي وعائلي وربّما سياسيّ من النّظام، الذي وبعد إفشاله للمؤامرة، واستعادته لمساحات واسعة من الأرض السوريّةِ، التي سيطر عليها الإرهابيون، فإنّ أنظمة عربية غيّرت موقفها من سوريا، التي عادت إلى جامعةِ الدول العربية، وبدأ يتعزّز وضعها مع الإمارات العربية المتحدة والسعودية، التي عزّزت علاقاتها مع الرئيس الأسد، وأكّدت له بأنّ الحرب على سوريا، كانت مدبّرة لإسقاطه.
فالنّظام السّوري الذي صمد بوجه المؤامرة الأميركيّة، فرض دوره من جديد في العالم العربي، وعلى مستوى التحالفات الإقليميّةِ والدولية مع إيران وروسيا والصين، وعاد رقمًا صعبًا في معادلات المنطقة، لا سيما في الصّراع العربي - الإسرائيليِّ، التي دفعت سوريا ثمن تموضعها في محور المقاومة، واحتضانها لقادة فلسطينيين، وتأمين عبور السّلاح من أراضيها إلى "حزب اللّه" في لبنان، لاستمرار دوره في ردع العدوِّ الإسرائيليِّ.
هذه المعطيات فرضت أن تكون سوريا في موقع القرار الإقليمي والعربي، فلم يسقط نظامها كما راهنت قوى خارجيّة، وروّجت لذلك أطراف لبنانيّة، في مقدّمها رئيس حزب "القوّات اللبنانيّةِ" سمير جعجع، وتوقّع وليد جنبلاط أن يرى جثّة عدوّه بشار تمرّ أمامه وهو على ضفّة النّهر، في حين أنّ سعد الحريري شغل أدوات له، في دعم "الثّوّار" من تركيا عبر النّائب السّابق عقاب صقر.
فهؤلاء وبعد ١٣ سنة، بدأوا يقرّون باستمرار النّظام وعدم حصول ما توقّعوا من اندحاره وتنحية بشار الأسد، فعاد جنبلاط إلى الاعتراف بوجوده، والحوار معه حول عودة النّازحينَ السّوريّين، الذين كان يرفض عودتهم كي لا يقتلهم النّظام السّوري، واعترف "تيّار المستقبل" بأنّ النّظام باقٍ، وهو بدأ يتعاطى معه إيجابًا، مع العلاقات الجيّدة التي تربط الرئيس الأسد بقيادتي السعودية والإمارات المتحدة.
وحده جعجع ما زال يعاند، لأنّه لا يقرأ المتغيّرات، ولا يتابع التّطوّرات، واستفاق مؤخرًا على خطر وجود النّازحين السّوريين، لا سيّما بعد مقتل مسؤول "القوّاتِ اللّبنانيّةِ" في جبيل باسكال سليمان، حيث حاول جعجع استغلالها، لكنّه فشل، فبدأ يطالب بعودة النّازحين، ليذكره البعض بأنّه هو ومعه أطراف في "١٤ آذار" رحّبوا بـ "الثّوار" الذين وجّه لهم التّحيّة، في كلّ ساحات تحرّكهم في سوريا، ليتبيّن له أنّ توقّعاته فاشلة، ورهاناته مع غيره ساقطة.
فالعودة إلى سوريا، هي الطّريق الصّحيح، لأنّ الجغرافيا أقوى كما قال جنبلاط الذي يمتاز عن سياسيّين آخرين بالاعترافِ أنّه أخطأ في التّقدير، أو تلقّى معلومات غير صحيحة، فكان لافتًا موقفه الأخير، الذي دعا فيه إلى الحوار مع سوريا، بشأن النّازحين، وهذا اعتراف بنظامها وبحكم الرئيس الأسد ولو متأخرًا.