يحيى الإمام - خاصّ الأفضل نيوز
إن بعض الكلام الذي سمعناه ونسمعه من الساذجين البسطاء، أو المثقفين الحاقدين على حدٍّ سواء، لينطبق عليه قولُ العبد الصالح لموسى عليه السلام، : ( قال لو شئتَ لاتّخذتَ عليهِ أجرا )، لأنه يخدم أغراضَ المحتلين والمطبّعينَ ومن يقف خلفهم، ويحقق مطلبهم في طعن قوى المقاومة وتسخيف إنجازاتهم. فمن هؤلاء من قال : إنها تمثيلية أو مسرحية، ومنهم من قال : إنَّ الرَّدَّ كان منسقاً مع الأمريكان ومحدوداً ولم يحقق نتائج ذات شأن وقيمة، ومنهم من أعمل عقله أكثر وبذلَ جهداً مضنياً في التفكير فقال : إنَّ إيران لا تقاتل من أجلنا.
وقبل الحديث عن مسرحية، والمسرح يتسع للجميع ولو بدور في الكواليس، علينا أن نطرحَ على أنفسنا سؤالين : هل يقع على عاتق إيران همّ تحرير الأرض والمقدسات في فلسطين؟ وهل بات ما يسمى ظلماً بالصراع العربي الإسرائيلي صراعاً إيرانيًّا- إسرائيليًّا؟؟
نعم لقد ردّت إيران على تمادي إسرائيل وخروجها على القانون الدولي بعد قصف مقرِّ قنصليتها في دمشق سواء أعجبنا الردّ أو لم يعجبنا أو كان موجعاً ومكلفاً أو لم يكن كذلك، ولا يجوز لنا، بل من غير اللائق بنا أن نطلبَ منها ما لا نطلبه من دولنا العربية، ونحن أهل القضية وأهل الراية.
إن القوى الحيّةَ في أمتنا، وفي مقدمتها قوى المقاومة، لا تقف مع إيران بالأساس ولكن إيران هي التي تقف معها وهي ترحب بكل من يؤيدها ويدعمها في مواجهة الاحتلال، وإذا كانت إيران في المنطقة بمثابة شجرة خضراء تفرش ظلالها في المحيط وتعطي ثمارها لمن يستسيغ، فليس العيب فيها، ولكن العيب- كلَّ العيب -في يباس شجيراتنا وفي غياب مشروعننا العربيّ النهضويّ التحرّري ، فبعد تغييب مصر "بالسلام " وإنهاك سوريا بالحروب، وبعد مسلسل التطبيع والهرولة باتجاه العدو والتسابق إلى إرضاء أمريكا وتنفيذ مخطّطاتها ، لم يبقَ في الصراع إلا المقاومة وهي بقعة الضوء الوحيدة في ليلنا الحالك السواد، و"إنَّ المقاومة الفلسطينية وجدت لتبقى ولسوف تبقى " كما قال الراحل الكبير جمال عبد الناصر ...
نعم هناك ما يُسمى " سياسة ملء الفراغ" ، وقد اعتمدها آيزنهاور في منطقتنا عام ١٩٥٨، وكان القصد منها ملء الفراغ الذي تركه الانتدابان الفرنسي البريطاني ومد النفوذ الاستعماري من جديد، وهي السياسة التي واجهها عبد الناصر رحمه الله بدعمه لقوى الثورة وحركات التحرر والاستقلال في مواجهة قوى الاستعمار من ناحية وقوى الجهل والفساد والتخلف والرجعية العربية في مجتمعاتنا من ناحية ثانية، وكان يرى ذلك التحالف الوثيق بين الاستعمار وهذه القوى ولم يتغير في المشهد شيء إلا غياب عبد الناصر والمشروع العربي النهضوي التحرري، وغياب العقل العربي معه والقدرة على التفكير والتحليل والفعل والخلق والإبداع.
لعل أهم ما في المشهد الذي رأيناه في الأمس كمراقبين عرب، سواء أكُنّا معنيّين بالصراع وبالقضية أو لم نكن، هو سرور أهلنا في غزة هاشم بعد طول قصف وجوع ودمار وحصار، وتلك الاحتفالات والهتافات والزغاريد التي انطلقت من حناجرهم، وهم يرون الصواريخ والمسيَّرات لأول مرة في سماء فلسطين قادمةً من الشرق " كطير الأبابيل" لترمي إسرائيل، أو على الأقل لتلقي في قلوب المحتلين الرعب وترغمهم على الاختباء في جحورهم كالفئران، وفي مقدمتهم مجلس الحرب الإسرائيلي المصغّر، ولكي تكون نقطة تحوّل في الصراع لم يقلّل الأعداء من شأنها في تغيير قواعد الاشتباك، كما يقول العسكريون.
لقد كان هذا الرَّدُّ الإيرانيُّ مؤلمًا للعدوّ إلى حدٍّ ما، وكان ذلك متوقّعاً، ولكنه آلمَ أكثر من اختار مسار الذل والهوان والتطبيع مع العدو من أبناء أمتنا وجلدتنا وكان هذا متوقعاً أيضاً، ولكن الذي لم يكن متوقعاً هو وقوفهم إلى جانب العدو وتعاطفهم معه، سواءً أظهروا ذلك بغبائهم المعهود وعبوديتهم المطلقة لأمريكا، أو لم يظهروه بخبثهم المعهود ونفاقهم المطلق.. وفي كل الأحوال فإنَّ إيران لا تلتفت إليهم ولا تعيرهم أي انتباه لأنهم فقدوا كلَّ وزن وقيمة، ولا يقدم كلامهم أو يؤخر شيئاً.
لقد كنا نتمنى من أبناء جلدتنا الذين لم يحركوا ساكناً، إزاء العدوان الهمجي على أهلنا في غزة، أن يتصدقوا علينا بصمتهم على الأقل وأن يقفوا على الحياد لا أن يقفوا إلى جانب العدو ويحققوا مطالبه ومآربه في القول والفعل انطلاقاً من قول الشاعر العربي :
" لا خيلَ عندَك تهديها ولا مالُ
فليسعد النطقُ إن لم يسعدِ الحالُ ".