نبيه برجي - خاصّ الأفضل نيوز
ربما كان الوصف الأكثر دقة , والأكثر إثارة للسخرية , ما قاله بيار بينار , الكاتب في صحيفة "لو كانار أنشينه" الفرنسية , "لم يعد جو بايدن , في الحالة الراهنة , البطة العرجاء . بمنتهى الواقعية , إنه الذبابة العرجاء . لا أثر , ولا تأثير , له في رأس بنيامين نتنياهو الذي لا ينظر الى الرئيس الأميركي أكثر من كونه جثة , وتنتظر عربة الموتى لنقلها الى مثواها الأخير" .
هذه أيضاً قناعة المصريين , والقطريين , الذي يشاركون في الجهود الخاصة بوقف النار في غزة. يلاحظون أن الزيارات التسع التي قام بها أنتوني بلينكن لتل أبيب ذهبت هباء , ليس فقط لأن التكشيرة الديبلوماسية الأميركية , وعندما تتعلق المسألة بإسرائيل , تتلاشى كلياً , وإنما لأن وزير الخارجية مربك في مهمته . أيكون أميركياً أكثر أو إسرائيلياً أكثر , إذا ما أخذنا بالاعتبار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يمارس لعبة الأقنعة في محادثاته مع الوسطاء , ليجد هؤلاء أنفسهم داخل المتاهة.
هكذا يبدو بلينكن , الحائر بين أن يعود الى المحاماة أو الى الصحافة في 20 كانون الثاني المقبل , وكأنه يعاني من أزمة ضمير , وهو يحاول إقناع نتنياهو بشق الطريق الى السلام , بعدما اقترب كثيراً من جهنم , قبل أن يعود الى يهوديته , ولا يستطيع إلا أن يعد ببذل أقصى الجهود من أجل تمكين إسرائيل من إعادة ترميم بناها السياسية , والعسكرية , التي تعرّضت لهزات صاعقة .
وليم بيرنز , مدير وكالة الاستخبارات المركزية , بالخلفية الديبلوماسية التي تتسم بالاتزان , وبالرؤية الواقعية لديناميات القوة , ولديناميات الضعف , يشارك في المساعي أيضاً , ولكن ليصارح بايدن بعدم توفر أي إمكانية للدخول الى رأس ذلك الرجل لأنه مقفل مثل سور المقبرة . كيف للقفازات الحريرية أن تحدث ثقباً في السور ؟
المصريون , والقطريون , يدركون أن صياغة الاستراتيجي السياسية , والديبلوماسية , أو الاستراتيجية العسكرية , لا تعتمد , بالدرجة الأولى , على ما تقوله الشركات القابضة (تصوروا أن شركة "بلاك روك" تدير استثمارات بمبلغ 10 تريليونات دولار . رقم أسطوري , لكنها أميركا أيها السادة) ¸ ولا على ما تقوله البنوك العابرة للقارات . جورج سوروس قال "عندما تتكلم وول ستريت , يصل صوتها , وتأثيرها , الى العالم الآخر" . هل نستفيق ذات يوم ونقرأ أن بنك مورغان افتتح فرعاً له هناك ؟
الكلمة الأولى الآن للبنتاغون الذي , في وثيقته السنوية , حدد آفاق , ومسارح , الصراع على امتداد الكرة الأرضية ناهيك عن نوعية الأخطار الراهنة , والمستقبلية , التي تهدد تفرد الولايات المتحدة في إدارة العالم .
تلك الوثيقة ركزت على ضرورة ضبط الإيقاع , بما في ذلك الإيقاع الإيديولوجي , في الشرق الأوسط . كونه منطقة المفاجآت الصارخة . هكذا كانت نظرتها الى عملية "طوفان الأقصى" . والتي أعقبتها مواقف إسرائيلية بضرورة توسيع نطاق الحرائق , مع اقتناع البنتاغون بأن الإيرانيين ومهما مضوا بعيداً إنما يلعبون على حافة الهاوية وهم أكثر وعياً من الوقوع فيها .
لكن ما يتردد حول تقارير استخبارات وزارة الدفاع الأميركية , يشير الى أن تجربة الأشهر الطويلة التي أعقبت فجر 7 تشرين الأول الفائت صدمت القيادة الإسرائيلية بمدى الاختلال , وبهول الثغرات في الأداء العسكري , وفي الأداء الأمني . ومع أن العمى الإيديولوجي ـ فضلاً عن النرجسية السياسية ـ من يقود أركان اليمين المتطرف , الذين يعتقدون أن الدوران داخل الحلقة المفرغة في أي عملية عسكرية يعني تجريدهم حتى من عظامهم .
لنعد الى بدايات هذا القرن حين قال المبعوث الأميركي جورج ميتشل , وهو من أم لبنانية , "لكأنك في تل أبيب تفاوض حائط المبكى ..." .
الإدارة استجابت لطلب القاهرة والدوحة بتدخل البنتاغون مباشرة في إنقاذ المسار التفاوضي المتعثر بسبب مواقف نتنياهو التي تخلو من الحد الأدنى من الواقعية (ومن المنطق) , مع أن أي إدارة تكون حذرة في زج الجيش في أي عملية سياسية , أو ديبلوماسية . هكذا رأينا رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون في المنطقة , حاملاً المخاوف والتحذيرات من توسيع نطاق الحرب لأن من شأن ذلك ليس فقط تعريض إسرائيل لعواقب كارثية , وهي التي في حال من الضياع السياسي والعسكري , وإنما أيضاً لإغراق الولايات المتحدة في وحول المنطقة , في حين أن حلبة الصراع المستقبلي في مكان آخر .
الأميركيون هم من يحمون إسرائيل , لا الإسرائيليون . هذه هي نظرية البنتاغون (النظرية الثابتة) , وكذلك وكالة الاستخبارات المركزية . دائماً أميركا وراء الباب . لوزي روبين , أهم عالم صواريخ في الدولة العبرية قال "حين نخلع المعطف الأميركي لكأننا تخلع معطف يهوه" . أما ايتامار بن غفير فيبدي خشيته من أن "نصبح البندقية الفارغة في قبضة البنتاغون" نتنياهو في قبضته فعلاً . كل تهديداته بحرب كبرى قرع على الطناجر لا قرع على الطبول , ولا قرع على الأبواب ..