ترجمة الأفضل نيوز
مالك صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية جيف بيزوس ينشر مقالاً، يعلن فيه الامتناع عن تأييد أيّ من المرشحين للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة كجزء من الجهود الرامية إلى استعادة الثقة في وسائل الإعلام، بعد أن بيّن استطلاع للرأي أنّ الأميركيين لا يثقون بالصحافة والإعلام، فيما انتقد العديد من الأميركيين هذه الخطوة.
وفي إثر قرار مالك الصحيفة، تدهورت قاعدة مشتركي صحيفة "واشنطن بوست"، وألغى 250 ألفاً أو ما يعادل 10% من المشتركين اشتراكاتهم.
في الاستطلاعات العامّة السنوية حول الثقة والسمعة، ينحدر الصحافيون ووسائل الإعلام بانتظام نحو القاع، لكنّهم حافظوا على درجة أعلى بقليل من الكونغرس الأميركي، إلى أن كشف استطلاع مؤسّسة "غالوب" لهذا العام عن هبوط الإعلام وتراجعه إلى ما دون الكونغرس. فالمهنة الصحافية الآن لا تتمتّعُ بثقة الجمهور إطلاقاً، ومن الواضح أنّ "الإعلام" الذي نقوم به لا يعمل.
وللتشبيه لا الحصر، في الانتخابات يجب أن تفي آلات التصويت بشرطين أساسيين، في احتساب الأصوات بدقّة، وباعتقاد المصوّتين وثقتهم بأنّ أصواتهم احتسبت بدقّة. واختلاف الشرط الثاني عن الأول بالشكل لا يُقلّل من أهمّيته عنه.
كما في الانتخابات المطلوب تناسق المبنى والمعنى، كذلك على الصحف أن تكون دقيقة، وأن تُؤمن أنّها كذلك، لكنّها تفشل في الشرط الثاني. والنتيجة الانحدارية للاستطلاع مريرة لا شكّ، لكن يجب ابتلاعها، لأنّ مُعظم الناس يرون أنّ وسائل الإعلام مُتحيّزة، وأنّ أيّ تجاهل لهذا الأمر ليس سوى دلالة على أنّ المتجاهل لا يُولي اهتماماً بالواقع، وأولئك الذين يُحاربون الواقع يخسرون دائماً، لأنّه بطل لا يهزم. وسيكون من السهل إلقاء اللوم على الآخرين، بسبب الانحدار الطويل والمستمرّ لمصداقية الإعلام الأميركي وانخفاض تأثيره. ومُواجهة هذه الحقيقة من قبل الصحافيين والمؤسّسات الإعلامية، بعقلية الضحية لن يُساعد. وهذا ردّ فعل غير استراتيجي وإنكاري، في وقت يجب العمل فيه بجدّ أكبر بكلّ ما يمكن لزيادة "مصداقيّتنا".
الافتقار إلى المصداقية في "واشنطن بوست"، ليس فريداً من نوعه. صحف أميركية زميلتنا لديها المشكلة عينها. وهي مشكلة ليست فقط لوسائل الإعلام، ولكن أيضاً للأمّة. حيث يلجأ الكثير من الناس في هذه الحالة من عدم المصداقية، إلى البودكاست غير المألوف، إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي غير الدقيقة وغيرها من مصادر الأخبار التي لم يتحقّق منها، والتي يمكن أن تنشر بسرعة معلومات مُضلّلة تعمّق الانقسامات. ويجب عدم الركون إلى سجلّات فوز الصحف مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" بالجوائز، لأنّنا نخاطب أنفسنا بشكل مُتَزايد كشريحة نخبويّة مُحدّدة، مع أنّ الأمر لم يكن على هذا النحو في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت تتمتع الصحافة وكذلك الإعلام بنسبة 80% من المصداقية داخل الأسر الأميركية.
على الرغم من أنّنِي لا، ولن أدفع باهتمامي الشخصي لكن لن أسمح أيضاً لهذا الوضع بالبقاء على ما هو عليه، والتلاشي أمام ما تجاوزه البودكاست غير المدروس وتزييف وسائل التواصل الاجتماعي من دون قتال. لا ريب، أنّ المخاطر كبيرة للغاية. يحتاج العالم الآن أكثر من أي وقت مضى إلى صوت موثوق به ومستقلّ، وأين ينشأ هذا الصوت أفضل من عاصمة "أهمّ بلد في العالم". وللفوز في هذه المعركة، سيتعيّن علينا مُمارسة قوة جديدة. ستكون بعض التغييرات بمثابة عودة إلى الماضي، وبعضها سيكون إبداعاً جديداً، وسيكون النقد جزءاً لا يتجزّأ من التطوّر. لن يكون أيّ من هذا سهلاً لكنّ القضية تستحقّ. أنا ممتنّ جدّاً لكوني جزءاً من هذا المسعى، حيث يعمل العديد من أفضل الصحافيّين الذين ستجدهم في أيّ مكان في صحيفة "واشنطن بوست"، بجدّ كلّ يوم للوصول إلى الحقيقة، ويستحقّون أن يُصدّقوا.