د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
لم يعد خافيًا على أحد، أن الهدف الأساسي من وراء تعيينات الرئيس الأمريكي المنتخب (عدا عن الولاء المطلق لطموحاته)، والتي تُثير جدلًا واسعًا داخل وخارج الولايات المتحدة، هو القضاء على الدولة العميقة وأذرعها المتمددة في كافة الوكالات الحكومية الأمريكية.
ولهذه الغاية، أطلقت الدولة العميقة في واشنطن حربًا تعطيلية بهدف شلّ "عاصفة" ترامب، فكانت ضربة الصواريخ الأوكرانية من طراز ATACM التي استهدفت عمق الأراضي الروسية هذا الأسبوع ــ وعُدّت تحولًا نوعيًا في الحرب بعد سماح الرئيس الحالي جو بايدن لكييف باستخدامها ــــ جزءًا واحدًا فقط من عملية تمرّد مضادة من قبل الوكالات الأمنية، وضربة سياسية موجهة ضد ترامب أولًا.
المثير أن هذه الدولة العميقة، المتجذرة في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، والتي يخشى المراقبون أن تُدخل إدارة ترامب في دوامة جديدة من الحروب والأزمات (قد لا يرغب فيها حقًا)، بدأت التحضير لها عبر الاستفزازات المتصاعدة الموجهة ضد إيران.
ترامب ومحاولة ترويض مؤسسة السياسة الخارجية
غني عن التعريف، أنه لطالما لعبت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، أدوارًا كبيرة وفاعلة في إشعال الحروب ونشر الفتن في مناطق متعددة على امتداد الكرة الأرضية. والأنكى، أنها لغاية الآن، تستمر بمحاولاتها لجرّ العالم إلى المزيد من الصراعات. ولهذا، يحذّر بعض الخبراء والأكاديميين في واشنطن من أن "التهديد الأكبر للحضارة الغربية اليوم ليس روسيا، بل الأمريكيون أنفسهم.
تبعًا لذلك، رأينا أن خيارات الرئيس المنتخب تأثرت إلى حد ما بابنه دونالد ترامب جونيور، والناقد تاكر كارلسون، والممول لحملة ترامب الملياردير ديفيد ساكس، وجميعهم دفعوا إلى الأمام لإبعاد الأصوليين عن الإدارة الأولى. وفي هذا السياق، قال مسؤول جمهوري لصحيفة فري برس: "كان هناك ما لا يقل عن 25 شخصًا اتصلوا بالرئيس وقالوا: لا بد أن يكون مايك بومبيو".
ما يعزز هذا الاتجاه، هو أن ترامب متشكك في التحالفات الدفاعية، والالتزامات الأمنية، وعمليات الانتشار العسكري طويلة المدى، إضافة إلى عدم اهتمامه بتعزيز الديمقراطية أو حقوق الإنسان على مستوى العالم، أو الدفاع عما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد.
السياسة الخارجية وأولوية إسرائيل
في الحقيقة، مع وجود رئيس لا يمكن التنبؤ به على الإطلاق مثل ترامب، تصبح مهمة ترويض مؤسسة السياسة الخارجية والتخلص من رموزها الصهاينة أكثر صعوبة. ولو افترضنا أن الرئيس المنتخب قد يرغب في تجنب مؤامرات رئيس الوزراء الفاشي بنيامين نتنياهو لشن حرب ضد إيران، فإن "أولوية إسرائيل" ونفوذ جماعات الضغط (كما يجادل البروفيسور جيفري ساكس، وهو اقتصادي أمريكي بارز وأستاذ في التنمية المستدامة، وناقد صريح للسياسات الخارجية الأمريكية، خصوصًا تلك المتعلقة بالحروب والنفوذ الجيوسياسي)، الذين يسيطرون بشكل فعال على الكونغرس والجيش الأمريكي – أكثر من قبضة الرئيس نفسه – قد يدفعانه إلى التهور والغرق في المستنقع الإيراني.
ويضيف ساكس: "بسبب قوة اللوبي الصهيوني، كان نتنياهو يتمتع فعليًا بسيطرة على البنتاغون لخوض حروب نيابة عن التطرف الإسرائيلي. حرب العراق عام 2003 كانت حرب نتنياهو. المحاولة للإطاحة ببشار الأسد في سوريا، وإزاحة معمر القذافي – كلها حروب نتنياهو".
النقطة المهمة هنا، هي أن نتنياهو يستطيع "فعل ما يفعله" لأن الأمر كان مخططًا له بهذه الطريقة منذ البداية – خطة استغرقت 50 عامًا في التنفيذ. فاستراتيجية "إسرائيل أولًا" تم تبنيها بالكامل من قبل سكوب جاكسون (مرشح رئاسي أمريكي مرتين). ولضمان عدم التراجع عن هذه السياسة، أصر سكوب على تعيين صهاينة في وزارة الخارجية، وأن يسيطر المحافظون الجدد والصهاينة على زمام الأمور في مجلس الأمن القومي. والمثير أن هذا النمط نفسه ما زال قائمًا حتى اليوم.
انطلاقًا من هذه النقطة، تُعدّ جميع الأسماء المختارة من قبل ترامب، لأعضاء فريقه الأمني، حتى الآن ــــ باستثناء تولسي غابارد ــــ مدافعين شرسين عن إسرائيل، ويمكن تصنيفهم ضمن "الصقور" تجاه إيران. لذلك، فإن تعيين الحاكم السابق والمسيحي الصهيوني مايك هاكابي سفيرًا لدى إسرائيل، وقطب العقارات المؤيد بشدة لإسرائيل ستيف ويتكوف كمبعوث للشرق الأوسط، لا يشير إلى أن ترامب يخطط لتقليص الدعم الأمريكي لإسرائيل، حتى لو لم يعد معجبًا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كما كان من قبل.
زد على ذلك، عندما يصف نتنياهو تعيينات ترامب المؤيدة لـ"إسرائيل أولًا" بأنها "الفريق الأمريكي الحلم"، فإن السبب ليس صعب الفهم. فمن جهة، لدى ترامب "ثورة" يريد قيادتها في أمريكا ويرغب في الحصول على موافقة على تعييناته. ومن جهة أخرى، لدى نتنياهو حرب إضافية يريد أن تخوضها الولايات المتحدة من أجله.
هل سينجح نتنياهو بدفع ترامب للدخول في حرب مع إيران؟
في الواقع، بينما لم تستبعد طهران إجراء مفاوضات جديدة مع الإدارة القادمة، يبدو من غير المرجح أن يتابع ترامب قصة حب جميلة على طراز كيم جونغ أون، مع الحكومة التي يُزعم أنها حاولت قتله.
صحيح أنه ليس من الواضح ما الذي سيفعله ترامب في حال وقعت حرب شاملة بين إسرائيل وإيران. غير أن ما صرّح به نائبه جيمس ديفيد فانس حول هذا الأمر كان لافتًا، إذ قال: "إنه على الرغم من الدعم الأمريكي لإسرائيل، فإن لدى البلدين مصالح متباينة في بعض الأحيان، وأن الحرب مع إيران لن تكون في المصالح الأمريكية".
فالحرب الإسرائيلية المحتملة – إيران – هي الأخطر بالنسبة لترامب. فنتنياهو يحتاج بشدة إلى حرب، وهو ليس وحده. فالعديد في إسرائيل يطالبون بحرب من شأنها أن تنهي "جميع الجبهات" التي تواجهها. وما يؤجج هذه المطالبات، أن هناك قناعة عميقة بهذا التصور في تل أبيب، باعتباره الحل و"النصر العظيم" الذي يحتاجه نتنياهو وإسرائيل بشدة.
ولهذه الغاية، تم تحضير الأرضية مسبقًا، سواء من خلال الدعاية التي تروّج أن برنامج إيران النووي "ضعيف بشكل مذهل" (وهو ليس كذلك)، أو من خلال الهجوم الإعلامي الذي يعيد تكرار الفكرة القائلة بأن الهجوم على إيران الآن يمثل فرصة لا تتكرر إلا مرة في العمر، مع الترويج المضلل لضعف حزب الله وحماس. وبالتالي، يتم بيع الحرب مع إيران – بشكل خاطئ تمامًا – كـ"حرب سهلة".
في المحصّلة:
إن أي حرب ضد إيران ستؤول إلى الفشل المحتوم لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. بينما تداعياتها ستكون كارثية، وأكبر من أن يتم احتواؤها، وستؤدي إلى حدوث أزمة مالية حادة في الأسواق العالمية، ولا شك أنها ستعرقل "عاصفة" ترامب وربما تخمدها نهائيًا.