ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
في المبدأ انتهت زيارة مساعدة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، الذي بالمناسبة لم يعذب نفسه عناء التعريج مرة على بيروت رغم زياراته المتكررة الى المنطقة، وإن لم تنته عمليًا، بفعل بعض اللقاءات "الهامشية" التي يشملها جدول أعمالها، وسط حركة ناشطة لاستكشاف بعضا من خفايا "الرحلة البيروتية"، على أن تدلي بالكثير مما لديها، من آراء ومعلومات ومواقف، خلال إطلالتها "الخاصة" مع هادلي غامبل، يوم الثلاثاء.
"صمت المنابر" قابله محادثات موسعة استبقتها خلوات ثنائية مع الرؤساء، في بعبدا حيث التركيز على الملف الأمني والعسكري، الى السراي، حيث الخلوة الأطول التي تجاوزت الساعة، دخلت في تفاصيل ودقائق الملفات، لتخرج "معجبة" بالرئيس سلام وإصراره على مواقفه، أما في عين التينة، فجردة حساب تشريعية - إصلاحية، لأبو مصطفى بالأصالة والنيابة، لارتباط ذلك بالإعمار.
في كل الأحوال الزيارة التي اختلفت في الشكل كثيرًا، محافظة على مضمون سابقتها "زائد فاصلة"، يمكن اختصارها، وفقا لأجواء المقرات، بما فيها معراب، التي خصتها عن غيرها من القيادات اللبنانية، "بالبناءة" وفقا للوصف الدقيق، الذي يختلف تمامًا عن معنى "إيجابية"، بسبب الحذر الشديد من مواقف الإدارة ورئيسها المراهن على "الحصان الإسرائيلي"، والذي يبدو وفقا لما فهم بين سطور كلام أورتاغوس، أن تل أبيب غير متحمسة بدورها لتشكيل اللجان في الوقت الراهن.
أوساط سياسية لبنانية، أشارت الى أن أورتاغوس بدت أكثر معرفة بالخصوصيات اللبنانية، وقد راعتها في مقاربتها للملفات المطروحة، الى أبعد درجة، مهتمة بأدق التفاصيل الشكلية، بلغت حد "إخفاء" قلادة نجمة داوود خلال لقائها رئيس مجلس النواب، متحدثة بلهجة "دبلوماسية ناعمة"، حملت في الوقت نفسه الرسائل الماضية ذاتها، كاشفة أن الاتصالات التي سبقت الزيارة، نجحت في "ثنيها" عن التصريح من المقرات، استباقا لأي إحراج، كما حصل المرة الماضية، داعية الى انتظار الأيام القادمة لاكتشاف حقيقة موقف الإدارة الأميركية، من الردود اللبنانية على الأسئلة التي طرحتها أورتاغوس، وسجلت الإجابات عليها بأمانة.
فوفقًا للأوساط، بدا ظاهرًا هذه المرة، أن المطلب الأميركي لم يعد محصوراً فقط في سحب السلاح من أيدي حزب الله، بل في إزالة الهيكلية التنظيمية المتكاملة للحزب التي تشمل جميع جوانب عمله العسكري والمالي والاقتصادي، وهو جوهر مهمة أورتاغوس خلال زيارتها الأخيرة الى لبنان، والذي ظهرته لقاءاتها "المالية والاقتصادية"، من عشاء عوكر،الذي اختير ضيوفه "عالطبلية"، الى "صبحيتها الثلاثية" مع وزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان، والذي حمل دلالة مهمة لجهة إنفاده عشية المحادثات مع صندوق النقد نهاية الشهر في واشنطن، حيث كان التركيز على تفاصيل مكافحة الفساد، فيما شرح الجانب اللبناني خطته، لينتهي الأمر ب"ساعدوا نفسكم لنساعدكم".
عليه ختمت الأوساط، بأن الشروط الأميركية تحوز على اجماع كل أعضاء "لجنة خماسية باريس"، وإن اختلف وجهات النظر حول آليات التطبيق، لذلك لن يتضح المشهد قبل عرضها لتقريرها في واشنطن، الذي سيتزامن مع قمة البيت الأبيض بين ترامب ونتانياهو، لتتبلور الصورة، إما عسكريا بشكل اخطر ، أو سياسيا على نحو أكثر هدوءًا.
في المقابل كشفت مصادر في العاصمة الأميركية أن زيارة السيدة أوتاغوس الى بيروت، هي ذات شقين: الأول، نقل رسائل للمعنيين حول الملفات العالقة، والثاني، استطلاع مواقف الرؤساء من المطالب الأميركية، تمهيدًا لرفع تقريرها للمسؤولين، مشيرة الى أنها لا تملك تفويضًا بالتفاوض أو تقديم أي ضمانات، فالقرار يعود للإدارة في واشنطن.
واعتبرت المصادر أن الأهم في الزيارة، هو لقاءاتها المالية التي عقدتها مع كل من حاكم مصرف لبنان، كريم سعيد، "الموضوع تحت الاختبار"، ووزير المالية ياسين جابر، الذي أظهر كل تعاون حتى الساعة، في ظل الأولوية المطلقة، والتي تكاد تتقدم على موضوع السلاح، المعطاة لملف تجفيف مصادر تمويل حزب الله ومؤسساته، حيث علم أن وفدا من وزارتي الخزانة والعدل قد يزور لبنان في حزيران للإطلاع عن كثب على الإجراءات المتخذة والتقدم الذي تحقق.
ورأت المصادر أن اللهجة "اللينة" التي اعتمدها الموفدة الأميركية، لا تعني بأي شكل من الأشكال تراجع في مواقف واشنطن، خصوصًا لجهة تحديد مهل زمنية محددة فيما خص ملفي حزب الله والإصلاحات، دون أي محاولات التفاف أو تلاعب ورهان على التطورات الإقليمية، ذلك أن برنامج لبنان جزء من برنامج أكبر مرتبط بالرؤية الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط ككل، محذرة من أن يدفع العهد ثمنًا كبيرًا نتيجة أي مفاوضات أميركية - إيرانية، "في حال لم يلحق نفسه"، تماما كما دفع "من قبله" ثمن شد الحبال بين الطرفين خلال الفترة الماضية، وصولاً الى الحرب الإسرائيلية الأخيرة.