طارق ترشيشي - خاص الأفضل نيوز
لا يبدو أن المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية ستؤول قريبا إلى اتفاق على الملف النووي الإيراني فبعد التفاؤل الحذر الذي أشاعه الطرفان خلال جولات التفاوض الثلاثة التي جرت حتى الآن بينهما في مسقط وروما برعاية سلطنة عمان عادت أجواء التشاؤم لتنذر بأن تكون النتيجة لا اتفاق، ما سيضع المنطقة أمام احتمالات شتى أبرزها لجوء الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران لتدمير المنشآت النووية والاستراتيجية الإيرانية، قد تعرفان بدايتها ولكنهما لا تدركان النهايات...
وتقول مصادر ديبلوماسية مطلعة على الموقف الإيراني لموقع "الأفضل نيوز" أن الجولة الأخيرة من المفاوضات لم يطرح خلالها موضوع "تصفير تخصيب اليورانيوم" على الأراضي الإيرانية، أي توقف إيران عن هذا التخصيب والاستعاضة عنه بتخصيبه في دولة ثالثة أو شرائه منها لتشغيل مفاعلاتهم. لكن الأميركيين يبادرون الآن الى طرحه عشية الجولة الرابعة من المفاوضات لفرضه بالقوة بندا في جدول أعمالها، الأمر الذي ترفضه إيران بشدة وتتمسك بحقها في هذا التخصيب على أرضها لأنه حق سيادي لها ولا يمكنها التهاون فيه أو التخلي عنه لأن برنامجها النووي هو برنامج سلمي وليس عسكريا.
وتعتبر المصادر أن الأميركيين تبنوا نظرية التخصيب خارج إيران على قاعدة أن ليس هناك أي دولة حول العالم تملك برنامجًا نوويًا سلميًا تخصب اليورانيوم على أراضيها وإنما تشتريه من الدول التي تملك برامج نووية سلمية أو عسكرية. لكن الإيرانيين يرفضون هذا الطرح الأميركي بشدة، أولا لأن هذا الأمر لم يفرضه الأميركيون على أي دولة تمتلك برنامجًا نوويًا سلمياً، وثانيا لأنهم يرون، أي الإيرانيين، أن الغاية منه هي جعله ذريعة إما لتفكيك المنشأت النووية الايرانية كما حصل مع ليبيا معمر القذافي، وإما لإفشال المفاوضات والذهاب بعد ذلك إلى خيارات أخرى ومنها الخيار العسكري.
كذلك يعتبر الإيرانيون إن ما يسعى إليه الأميركيون هو دفع إيران إلى تسليم كل أوراقها وبالتالي الاستسلام أمام إرادتهم وهو ما ظهر من خلال تصريحات الموفد الأميركي ستيف ويتكوف عشية الجولة الرابعة من المفاوضات حيث قال إنه "يجب تفكيك منشآت التخصيب الإيرانية وطهران لا يمكنها امتلاك أجهزة طرد مركزي"، مؤكدا ان "على الإيرانيين خفض نسبة تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي وإرساله إلى مكان بعيد" مؤكدا "أن على إيران أن تحول برنامجها النووي إلى برنامج مدني".
ومضيفا أنه "لا يمكن على الإطلاق لأي برنامج تخصيب لليورانيوم في إيران أن يستمر مجددا ويجب تفكيك منشآت التخصيب الإيرانية الثلاثة في نطنز وفوردو وأصفهان" ومعتبرا أن "عدم استمرار أي برنامج لتخصيب اليورانيوم في إيران يعني تفكيك البرنامج النووي العسكري" وقائلا "أن لا خيار أمام إيران لا خيار أمامها سوى قبول شروطنا لاتفاق يفكك برنامجها النووي العسكري" محذرا من أنه "لن يكون من الحكمة أن يختبر الإيرانيون الرئيس ترامب"، ومهددا من أنه إذا لم تكن محادثات الجولة الرابعة من المفاوضات مثمرة "فلن تستمر وسيتعين علينا اتخاذ مسار مختلف".
ولذلك تكشف المصادر الديبلوماسة عن أن مشهد المفاوضات عشية جولتها الرابعة هو كالآتي: مناورات إيرانية لتقطيع الوقت وعدم تقديم أي تنازلات سيادية للأميركيين، في مواجهة سعي الجانب الأميركي إلى تفكيك البرنامج الإيراني عبر إيقاف إيران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وفرض شروط قاسية لتعطيل "التهديد الإيراني" من دون حاجة للجوء إلى خيار الحرب. لكن الإيرانيين، تقول المصادر الديبلوماسية، لن يسلموا أوراقهم بالسهولة التي يتوقعها الجانب الأميركي لأن ما يطرحه عليهم هو فرض اتفاق استسلام على إيران.
على أن كل هذا سيبقى مؤجلا الخوض عمليا فيه إلى ما بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية وقطر والإمارات في مطلع النصف الثاني من أيار الجاري حيث أنه يحاول أن يهدىء الأوضاع لتأمين حصولها في أجواء مناسبة لتحقيق النتائج التي يرجوها منها، لكنه بعد أن يغادر المنطقة سيلجأ الى جولة تصعيد كبيرة. علما أن الاتفاق على وقف النار الذي أبرمه مع حركة "أنصار الله" اليمنية كان من ضمن الترتيبات التي توخاها لضمان نجاح جولته الخليجية بعيدا من أي تصعيد ضد الحوثيين قد يعطلها.
وتقول المصادر عينها أن الجانب الإيراني كان في أجواء المفاوضات الحوثية ـ الأميركية، إذ للحوثيين مصلحة في تحييد الجانب الأميركي عن حربهم التي شنوها في الأساس ضد إسرائيل دعما لقطاع غزة، ولكن الأميركيين تدخلوا فيها ما اضطر الحوثيين الى مواجهتهم ومهاجمة أساطيلهم في البحر الأحمر وبحر العرب. ولذلك أراد الحوثيون من الاتفاق تحييد الأميركيين ليتفرغوا للحرب ضد إسرائيل التي لن يتوقفوا عن مهاجمتها طالما استمرت في حربها على قطاع غزة. أما مصلحة ترامب من هذا الاتفاق فهي ضمان نجاح جولته الخليجية لتحقيق النتائج التي يريدها منها وهي إبرام مجموعة صفقات واتفاقات بمئات المليارات من الدولارات، والملفت في هذا السياق أنه لن يزور إسرائيل خلالها وكأنه يريد أن يوهم الجميع أنه "يختلف فعليا" مع إسرائيل، فيما البعض يرى أن ترامب ونتنياهو يجمعهما هدف واحد هو "تغيير وجه الشرق الأوسط" ولكنهما يناوران ويتبادلان الأدوار ويدعيان الخلاف بينهما في العلن بغية التعمية عن حقيقة مشروعهما الذي يعملان لتنفيذه بكل ما أوتيا من قوة وسائل ومناورات وإمكانات في مختلف الاتجاهات.