محمد علوش - خاص الأفضل نيوز
في توقيت بالغ الحساسية، خرج الموفد الأميركي توم بارّاك ليعلن بوضوح أن واشنطن لا تتحمّل مسؤولية الخروقات الإسرائيلية اليومية على الساحة اللبنانية، بحجّة أن ما كان مطروحاً يوم تم الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار ليس ضمانات أمنية أميركية بل مجرد "آلية مراقبة" لم يُكتب لها النجاح.
هذا الموقف لا يمكن قراءته، بحسب مصادر سياسية بارزة، كمجرد تفصيل تقني أو خلاف في تفسير الالتزامات، بل هو إشارة سياسية خطيرة توحي بتغيير ما في قواعد اللعبة نفسها، وتحديداً في ما يخص مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار القائم جنوب لبنان.
في الأساس، حاول الأميركيون تسويق "الآلية" كإطار مرن يُوقف الحرب، لكنها من اللحظة الأولى افتقرت إلى عنصرين أساسيين: الضمانات الفعلية والالتزام الإسرائيلي الواضح، فتل أبيب استمرت في الاعتداءات اليومية، وضربت التفاهمات الهشّة عند كل محطة، بينما واشنطن اكتفت بتأييد المشهد، لذلك اليوم، حين يعلن الموفد الأميركي أن بلاده لا تتحمّل مسؤولية الخروقات الإسرائيلية بحجّة أن "الآلية لم تنجح ولم تكن هناك ضمانات"، فهذا قد يعني أمرين خطيرين، أولاً انسحاب ضمني لواشنطن من دور "الراعي" أو "الضامن"، وثانياً اعتراف بأن الآلية نفسها دخلت في مرحلة السقوط الفعلي.
المفارقة اليوم أن لبنان الرسمي، بكل مكوّناته، لا يزال يطالب بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، وتحديداً القرار 1701، من جانب إسرائيل، باعتباره الإطار الشرعي الوحيد القائم، بينما واشنطن تتحدّث عن "آلية مؤقتة فشلت"، من دون تقديم بديل واضح، وكأنّها تسحب يدها من كل ما يتصل بمراقبة وقف النار، وتترك الساحة فريسة للتوتر، وبالتالي فبحسب المصادر التي تتحدث لـ"الأفضل"، فإن كلام بارّاك بحال كان كلاماً رسمياً أميركياً فهذا يعني أن المشهد يتّجه إلى واحد من احتمالين، إما البحث عن تفاهم جديد يتجاوز الآلية الحالية، وهو أمر لا يزال ضبابياً ولم تتضح معالمه بعد، أو محاولة إسرائيلية جديدة للوصول إلى اتفاق يستند إلى التبدلات الكبرى التي حصلت في المنطقة بعد اتفاق وقف إطلاق النار وعلى رأسها سقوط النظام السوري السابق، والحرب على إيران.
الآن السؤال الذي يطرحه البعض هو هل تسعى واشنطن فعلاً لدفع لبنان نحو اتفاق جديد، ربما أشبه بنموذج الترسيم البحري، لكن هذه المرة على الأرض؟ وهل الفشل المتعمّد للآلية الحالية هو تمهيد لإجبار الأطراف على قبول تفاهمات مختلفة، بشروط أميركية - إسرائيلية أكثر تشدّداً؟
ترى المصادر أنه حتى اللحظة، لا معطيات ملموسة عن مفاوضات بديلة، لكن سلوك واشنطن يوحي برغبة في إعادة خلط الأوراق، مع الإبقاء على الضغط مفتوحاً، إلى حين نضوج لحظة سياسية يُفرض فيها اتفاق جديد.