ربى اليوسف - خاصّ الأفضل نيوز
هم الجنوبيون.. كما هم.. في الـ 2000 والـ 2006، والـ 2024.. الشامخون، الثابتون، الراسخون في وجه قوى الهيمنة الإمبريالية والرأسمالية، والمستعمرين يا سيسل رودس "Cecil Rhodes"، فكان "ماسمهم" بلمعانه يفوق ملك الماس رودس.
الملتحفون عباءة موسى الخضراء، الخارجون من وادي راميا، ووادي السلوقي، ووادي الحجير.. الحاملون بنادقهم.. من بقاع السيد عباس إلى جبشيت الشيخ راغب.. وبازورية السيد.. المتوضئون في الليطاني، والمتكئون على جبل الريحان ومرتفعات الجبور.
فطينتهم تعبر عنهم، من طين وطيون هم، وكحل صبية من النبطية تلف شالها المزخرف، فيتحول إلى سلاح وخنجر وضماد.. يضمدون جرح الله فيهم، ويبزغون كما الفجر الذي لا منازع عليه، لا ينتظرون جزاءً وشكورًا، يهندسون "على السكت" كما يحيى عياش، فيهندسون طريق أمة كامل من دحنونة وبندقية.
ثم الكاتيوشا، ورعد، وخيبر، وشاهين، والفلق والفجر وفاتح وزلزال، وتايب وسكود، والمسيرات، فالمسيرات الانقضاضية.. ينقضون على أعدائهم كالليث، وحدهم وحدهم، وحيدون، محاصرون.
وفيما تُمثِّل ميثولوجيا ثقافةٍ ما هيكلَ قصصها التقليدية، بنت اليهودية ومعها الصهيونية بالتحديد، "الأسطورة والمسخ".. فحطم الجنوبيون أسطورتهم، وبقيَ المسخ ... يدور بين غزة والجنوب.. يبحث عن "هيبته" التي كسرت، ولا تستعاد الهيبة بانتصار المسخ فقط، فالمسخ يود اعترافًا بالهيبة التي كسرت، والجنوبيون لا يعترفون.
الجنوبيون يقاومون، يقولون "لا"، ويبشرون، ولا تزال العذراء تنتظرهم كما المسيح عند تلك التلة- معبد سيدة المنطرة، في مغدوشة.
ولا يزالون ينزفون الدم على المذبح، يلفهم الشوك والعليق والبلان.. يصلبون واقفين، ينزفون واقفين، يقولون "هيهات منا الذلة" واقفين... ولا يذل لهم جبين.
ولنستشهد برولان بارت، فنقول: "ليس هناك ثَبات في مفاهيم أسطورية: يمكن أن تأتي إلى الوجود فتتبدَّل وتتحلل وتختفي تمامًا"، لذلك ربما هذا أقرب تصديق على ما يؤمن به الجنوبيون هو توصيف بارت.
فالمقاومة لا تحتاج إلى الكلام، لأنها غنيَّة بذاتها عن أي مجهود حسي.. كما الصلاة، كونها وسيلة للتطهير، تطهير الأرض والتراب.
ولربما أمام أساطيل العالم وتكنولوجياته، وسياساته واستراتيجياته تبقى عبارة Nirbal ke bala Rama التي تتكرر في أنشودة سورداس المشهورة "هو نصير من لا نصير له، وقوة كل ضعيف"، شيئًا يجمع بين التجربة الحسية والعملية.. ففي المقاومة، شيء من الأدب وفي الأدب شيء من المقاومة.. من العرفان.
وكما جذبت موسيقى سورداس/ سانت سورداس الهندوسي الفاتنة وشعرها الجميل العديد من الأمجاد، جذبت المقاومة لنا أمجادًا، وإن لم ترتفع في "سيهي" أو "آجر" في الهند.. ارتفعت على طول الليطاني وحتى "التومات".. إلى "تومات نيحا" فـ "نِيْحا الشّوف جارةُ أيوبٍ النّبيّ وملجأ المظلومين".