د. أكرم حمدان - خاص "الأفضل نيوز"
لست أدري من أين أبدأ في ظل هذا الكم من الفتئات والعهر السياسي الذي وصل بالبعض إلى التخلي عن الأرض وربما أمور أخرى لاحقاً، وأحياناً على قاعدة النكايات التي تبيح المحرمات والمحظورات، هذا الكلام مرده لما سمعته وقرأته خلال الأيام الماضية من مواقف وتحليلات وكتابات لبعض الساسة وقادة الرأي والفكر حول لبنانية مزارع شبعا، وقد صعقت فعلًا، خصوصاً أن إثارة هذا الملف يواكبها صمت رسمي مريب على مستوى السلطة التنفيذية وتحديداً على صعيد الرئاستين الأولى والثالثة اللتين لم تحركا ساكنًا في هذا الملف لدرجة أن الرئاستين منهمكتين بما هو أهم من هذا الملف وجدول مواعيدهما لا يتسع لاستقبال وفد من أهالي مزارع شبعا والعرقوب لطرح هذه القضية.
وما أدهشني أكثر أن بعض أصحاب الرأي والكلمة ينظرون في ملف لبنانية المزارع من وراء المكاتب دون إطلاع ومعرفة لحقيقة هذه القضية التي ربما بعض أبناء المنطقة لا يفقهونها جيداً وبدقة.
إن حديث البعض عن اللجوء إلى التحكيم الدولي فيه من الخفة والتنازل أكثر من أصحاب المواقف السياسية، لأن هذا الطرح يُسلم بوجود نزاع حول هوية وملكية هذه الأرض بين طرفين وهذا غير صحيح إطلاقاً، لأنه لا يوجد أي شخص يملك ولو شبر واحد غير أبناء شبعا في هذه الأرض.
إن من يود التشكيك بلبنانية المزارع، فهو يُشكك بلبنانية قرابة 45 ألف نسمة من أبناء شبعا المنتشرين في كل بقاع الأرض ويحملون الهويات اللبنانية.
إن الحديث من قبل البعض بأن جزءًا من هذه المزارع هي أراض يملكها لبنانيون، والبناء عليه لطرح إشكالية هوية المزارع وربط هذا الأمر بأهداف شخصية أو مصالح سياسية إقليمية ودولية، لا يستقيم مع الحقيقة والواقع إطلاقاً، فمن يُحاول ربط احتلال المزارع بمرتفعات الجولان عام 1967 وبالتالي إلحاقها بالقرار 242، يكون هو من يُريد ربط الملف بأهداف شخصية وسياسية إقليمية ودولية وليس العكس.
أما التلميح بأن رموزًا وقيادات الدولة، لم تثر سابقاً، أي تحرك أو تطرح أي تناقش حول مسألة المزارع، فهذا بحد ذاته فيه إدانة لهذه الرموز والقيادات، التي لم تستمع لصرخة أبناء شبعا والعرقوب منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وليس كما يحلو للبعض بأن يقول بأن ملف المزارع هو ابتكار عام 2000 ومن استخراج ضباط النظام الأمني اللبناني- السوري.
فملف المزارع وقضيتها بالنسبة لأصحابها كانت وما زالت وستبقى أولوية بمعزل عن الترهات التي يُحب البعض أن يستخدمها مرة لمصلحة النظام السوري السابق ومرة لمصلحة حزب الله وإبقاء ذريعة للمقاومة المسلحة.
إن غالبية من يتبجح، نعم يتبجح عن تفتق عبقريات هذا وذاك ووصف موضوع المزارع بأنه ابتكار وأن المزارع سورية وليست لبنانية، هو بمثابة خيانة وطنية تتطلب المحاكمة لمن يُطلقها، وهنا أستعير ما سبق وقاله الدكتور عصام خليفة عن أن كل من يتحدث أو يُشكك بلبنانية المزارع إما عميل أو جاهل.
فلمن يدعي بأنها ابتكار أو اختراع أو دس خرائط من أجل إبقاء لبنان رهينة بيد سوريا وإيران، نقول: "إذا كان منطقكم صحيحًا وأنها اختراع، لماذا يا ترى طرح الاحتلال الإسرائيلي خلال مفاوضات مدريد بداية التسعينيات من القرن الماضي على لبنان التخلي عن 6 مزارع من أصل 14 مقابل المياه؟ ثم إلى هذه الدرجة تثقون بالإسرائيلي كونه هو الطرف الوحيد الذي أطلق على المزارع بأنها سورية، وبالتالي فإن منطق الدكتورخليفة يُصبح في محله".
ثم للذين يُتحفوننا بأن المزارع تتبع للقرار الدولي 242 وليس القرار 1701 وفق القانون الدولي، نلفت انتباهكم بأن القانون الدولي يقول بأن الأمم المتحدة ليست هي من يُحدد ملكية وحدود الأرض بين الدول، وأن من قال بسورية هذه الأرض هو إسرائيل حصراً ومن ثم تيري رود لارسن (مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة).
كما أنني لا أود أن أصدق بأن بعض اللبنانيين أصحاب الرأي والكلمة، مقتنعون بأن موضوع هوية مزارع شبعا، قابلة للنقاش والمساومة، وأن بعضهم وصل به الحد لوصفها بأنها تلبننت على يد أزلام نظام الأسد، ما يعني أنها ليست لبنانية برأيه.
إن الحديث عن انتمائي ولبنانيتي كوني ابن شبعا ومزارعها، يطول ويتشعب ولكن سأكتفي ببعض المعطيات لهذا البعض الذي لا يزال يُشكك.
ليس مقبولًا هذا السكوت والصمت من قبل السلطة السياسية وتحديداً السلطة التنفيذية حول هكذا ملف خطير، وإلا فالمطلوب التحقق من هوية نحو 45 ألف لبناني من شبعا.
كما أود أن أسأل بعض السياديين وأصحاب النظام السوري السابق وكل من كان له موقع ودور في السلطة، ألا تستحون من أنفسكم وتتوقفون عن التخلي عن الأرض والكرامة؟
ولمن يتمسك بمقولة "عنزة ولوطارت"، أقول له"إن ما كان يُعرف بمأمور الضرائب، كان يعد الماعز والغنم والبقر وحتى الحمير والبغال في مزارع شبعا من أجل دفع الضريبة للخزينة اللبنانية، فهل هذا المثل يكفي بأنها لبنانية، أم أضيف أيضاً مخالفات مأمور الأحراج الذي كان لبنانياً وكل المخالفات التي كانت ترتكب في المزارع كانت تخضع للقانون اللبناني لدرجة أن هناك جريمة وقعت في الخمسينيات، وقد حقق فيها مخفر الدرك وصدرت الحكمة بعد كشف الجريمة عن المحاكم اللبنانية بحق المرتكب، فهل هذه تكفي أم ستبقى عنزة ولو طارت؟"
بكل الأحوال هناك مثل شعبي يُقال عندنا في المنطقة ويُستخدم في مناطق أخرى يقول: "كل الدبب رقصت إلا دب شبعا"، كذلك فنحن لسنا عبيداً لدى هذا وذاك لكي نُباع ونُعرض في سوق النخاسة.