د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
مع الموافقة المبدئيّة لحركة حماس على مقترح الوسطاء للهدنة في غزّة، تتّجه الأنظار إلى العاصمة الأميركيّة واشنطن، إذ من المقرَّر أن يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان قد نشر الثلاثاء الماضي إنذارًا على منصّة Truth Social، أكّد فيه، أنّ "إسرائيل وافقت على هدنةٍ لمدّة 60 يومًا"، وحثّ حماس على قبول الشروط، مهدّدًا بأنّها "ستزداد سوءًا إذا لم تقبل".
وفيما لا يزال الهدف الأساسيّ لزيارة نتنياهو غير واضح، تكثر التكهنات حول إذا ما كان ترامب ونتنياهو سيُعلِنان عن وقف إطلاق نارٍ حقيقيّ في غزّة؟ أو هل ستنضمّ سوريا إلى اتفاقيّات إبراهيم؟ أم هل قد يوافق ترامب على عملٍ إسرائيليّ أوسع ضدّ إيران؟ أو أنّ الاجتماع الثنائي سيكون مناورةً جديدة لترامب من خلال ربط الدعم العسكريّ الأميركيّ — شريان حياة إسرائيل — علنًا بمعارك نتنياهو القانونيّة الشخصيّة؟؟؟
إنهاء الحرب مقابل السّلام الأوسع
يُقرّ مسؤولون إسرائيليّون وعرب على صلة بالاتّصالات الجارية بشأن الهدنة، أنّ اتفاقًا في غزّة قد يفتح الباب أمام اتفاق سلامٍ أوسع بكثير. خصوصًا وأنّ هناك رغبةً وضغوطًا أميركيّة كبيرة، لتوسيع اتفاقيّات إبراهيم التي أطلقها ترامب في عام 2020 لتشمل المزيد من دول المنطقة، بما في ذلك عقد اتفاقٍ أمنيّ مع الحكومة السوريّة الجديدة.
وتعقيبًا على ذلك، نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤول إماراتيّ لم تُسمِّه، قوله: "يمكن لترامب أن يستغلّ هذه الفرصة لتوسيع وقف إطلاق النار مع إيران ليشمل غزّة وما بعدها".
بموازاة ذلك، هناك رؤية أميركيّة ــ إقليميّة لليوم التالي من الحرب في غزّة تقوم على التالي: "الشرق الأوسط قد وصل إلى نقطة تحوّل، خصوصًا بعد الانتصارات العسكريّة لإسرائيل على حماس، حزب الله، وإيران، لذا فإنّ الوقت قد حان لترجمة هذه المكاسب إلى هيكل أمنيّ جديد". والمثير أنّ هذه المقاربة الطموحة، تُشكّل انعكاسًا لنظريّة طرحها أحد المسؤولين الكبار في منطقة الشرق الأوسط، ومفادها: "عندما تنتصر على خصومك، عليك أن تفكّر في الفوز على المدى الطويل، وهو الاندماج والقبول في منطقتنا. هذا هو نصحنا للإسرائيليّين".
بنود اتفاق غزّة المُرتقب
في الحقيقة، تتمثّل المهمّة الأولى للوسطاء الحاليّين، في العمل على التوصّل إلى اتفاقٍ محدود بشأن غزّة، يهدف إلى وقف القتال هناك وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة. ولهذه الغاية، عمل المبعوث الأميركيّ إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشكلٍ وثيق مع جهات قطريّة ومصريّة، على وضع اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، بهدف فكّ الجمود الذي استمرّ منذ انتهاء الهدنة السابقة في شهر آذار الماضي.
وبناءً على ذلك، ناقش المفاوضون الإسرائيليّون والأميركيّون حزمةً من العناصر قد تشمل ما يلي: هدنةً لمدّة شهرين، تُفرِج خلالها حماس عن 10 رهائن أحياء و18 جثّة رهينة — دون مراسم مُهينة. أمّا المقابل، فهو التزام كلٍّ من: الولايات المتحدة ومصر وقطر بالسعي إلى إنهاء دائم للحرب خلال الهدنة التي تستمرّ 60 يومًا، إضافةً إلى نفيٍ محتملٍ لقيادة حماس إلى بلدٍ آخر، فضلًا عن منح الحريّة لبعض الفلسطينيّين في غزّة للبحث عن عملٍ في بلدان عربيّة أخرى.
وكيف سيكون شكل الحكم في غزّة؟
في الواقع، وفي حال نجاح جهود وقف إطلاق نارٍ دائم، فإنّ المفاوضين يتصوّرون إطارًا جديدًا لحكم غزّة، أشارت إليه مصادر مقرّبة من المفاوضات لصحيفة الواشنطن بوست، تحدّثت عن انتقالٍ تدريجيّ للحكم من قِبَل فلسطينيّين غير تابعين لحماس، مدعومين من خمس دول عربيّة رئيسيّة هي: مصر، والأردن، وقطر، والإمارات العربيّة المتّحدة، والسعوديّة.
وتبعًا لذلك، ستتكوّن هذه القوّة الأمنيّة من عناصر من بعض هذه الدول، على أن تُدعَم بمقاولين أميركيّين. ومن المحتمل، أن تُقدّم الولايات المتحدة دعمًا لوجستيًّا ومساعدةً في القيادة والتحكّم من قاعدةٍ خارج غزّة، يُرجّح أن تكون في مصر.
الأكثر أهميّة، أنّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، ستكون أيضًا لاعبًا أساسيًّا في مرحلة الانتقال السياسي، ولهذا ناقشت أبو ظبي مؤخرًا خطّةً مفصّلةً للحُكم مع رون ديرمر، المقرّب من نتنياهو، ومسؤولين أميركيّين.
وينصّ الاقتراح الإماراتي، الذي عرضه مسؤول إماراتيّ رفيع المستوى على الواشنطن بوست، على أنّ "اليوم التالي" يبدأ بدعوةٍ من السلطة الفلسطينيّة للشركاء في عمليّة الانتقال — مثل الأردن، ومصر، والمملكة العربيّة السعوديّة، والولايات المتّحدة، والدول الأوروبيّة — لفحص وتجنيد وتدريب وتجهيز قوّات الأمن الفلسطينيّة الجديدة في قطاع غزّة غير التابعة لحماس.
وماذا عن الإعمار؟
عمليًّا، سيُساهم الشركاء العرب والدوليّون بأموالٍ مخصّصة للمساعدات الإنسانيّة وإعادة إعمار غزّة، تُدار من خلال صندوقٍ ائتمانيّ خاص. وستحظى هذه المهمّة بدعم قرارٍ صادر عن الأمم المتحدة. كما تتضمّن الخطّة الإماراتيّة رؤيةً لـ"سلطة فلسطينيّة مُصلَحة"، تقودها — وفقًا لما جاء في الاقتراح — "شخصيّة مستقلّة وذات مصداقيّة ومخوّلة"، تتولّى رئاسة الحكومة، على أن يُمهَّد ذلك الطريق، لحكومة فلسطينيّة مستقبليّة قادرة على الإشراف على كلٍّ من قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.
أكثر من ذلك، يحظى هذا الطرح بدعم العديد من المسؤولين العسكريّين والأمنيّين في إسرائيل، خصوصًا وأنّه يقوم على إصلاح السلطة الفلسطينيّة كي تلعب دورًا في استقرار غزّة ما بعد الحرب.
ما هو الموقف الإسرائيلي؟
كالعادة، يُعارض الائتلاف اليمينيّ الذي يقوده نتنياهو بشدّة أيّ دورٍ للسلطة، ويذهب بعض أعضائه حدّ الدعوة إلى ضمّ الضفّة الغربيّة بالكامل. من هنا، سيحتاج رئيس الوزراء الصهيونيّ إلى قاعدةٍ سياسيّة أوسع لإزالة هذا العائق، لا سيّما وأنّ هناك تكهّنات واسعة النطاق بين المحلّلين السياسيّين في إسرائيل، تُشي بأنّ نتنياهو قد يدعو قريبًا إلى انتخابات.
في المحصّلة، تشير استطلاعات الرأي في الكيان الغاصب، إلى أنّ شعبيّة نتنياهو المتجدّدة قد بلغت ذروتها مؤخّرًا. لذا، يتوقّع أنصاره أن يُحقّق حزبه الليكود نجاحًا كبيرًا، ممّا قد يسمح لنتنياهو بالتخلّي عن حلفائه اليمينيّين في الائتلاف، الذين يُعارضون أيّ تنازلات بشأن القضيّة الفلسطينيّة، وتشكيل حكومةٍ جديدة من يمين الوسط.