سحر ضو _خاصّ الأفضل نيوز
ما هي نبتة القنب؟ ولماذا تحوّلت إلى "ذهب أخضر" بعد أن كانت تُزرع سرًا وتُجرّم علنًا؟
في لبنان، الذي طالما كانت زراعة الحشيش جزءًا من واقعه الزراعي ـ وإن ظلّت في الظل لعقود ـ ها هي الدولة اليوم تفتح الباب لتنظيم هذا القطاع رسميًا، بعد أن أدركت متأخرة أن هذه النبتة، المحظورة سابقًا، قد تكون أحد مفاتيح الإنقاذ الاقتصادي.
القنب الهندي ليس مجرد نبتة مخدّرة كما درجت تسميته شعبيًا بـ"الماريجوانا"، بل هو محصول زراعي وصناعي وطبيّ تعود جذوره إلى آلاف السنين. وتكمن قيمته في تنوع استخداماته: من استخلاص الزيوت الطبية، إلى إنتاج الألياف القوية لصناعة الأقمشة، وحتّى مواد البناء والسيارات، ناهيك عن بذوره الغنيّة بالبروتينات وأوميغا-3. وفي الزراعة، يتفوق القنب على القطن بأضعاف من حيث الكفاءة المائية والإنتاجية، ما يجعله محصولًا مثاليًا في زمن الجفاف وتغيّر المناخ.
في لبنان، تم تشريع زراعة القنب لأغراض طبية وصناعية بموجب القانون رقم 178 الصادر في نيسان 2020، بعدما أوصى تقرير "ماكنزي" في 2018 بضرورة تنظيم هذه الزراعة كأحد الحلول الاقتصادية المستدامة. لكن التنفيذ تأخر خمس سنوات كاملة، إلى أن بدأت وزارة الزراعة اليوم باتخاذ أولى الخطوات العملية، عبر تشكيل "الهيئة الناظمة" لهذا القطاع.
الوزير نزار هاني بحديث خاص للأفضل نيوز: وصف هذه الهيئة بأنها حجر الأساس في بناء قطاع قانوني وشفاف للقنب. تتكوّن من سبعة أعضاء يمثلون وزارات الزراعة، الصناعة، العدل، الداخلية، والصحة، إلى جانب خبيرَين متخصصَين يُختاران بعد مقابلات علنية بإشراف مجلس الخدمة المدنية وبمشاركة خبراء مستقلين، لضمان الشفافية والكفاءة. كما ستُطلق وزارة التنمية الإدارية منصة إلكترونية مخصصة لاستقبال طلبات المهتمين بالانضمام إلى الهيئة، ما يفتح المجال أمام أصحاب الكفاءة، بعيدًا عن المحسوبيات.
وعن إمكانية إشراك المزارعين التقليديين في هذا المشروع
، يقول "هاني" بأن كل من يمتلك الإمكانية لزراعة القنب، يمكنه التقدّم بطلب وفق الشروط التي تحددها الهيئة
"أما "التجار
ومن عليهم أحكام فهذا موضوع آخر وليس من ضمن صلاحيات هذه الهيئة
وبما يخص الأثر الاقتصادي، فتشير الدراسات إلى أرقام واعدة: تقرير "ماكنزي" قدّر العائدات السنوية بمليار دولار، بينما رفع الوزير هاني السقف إلى ثلاثة مليارات، مستندًا إلى الطلب العالمي المتصاعد على مشتقات القنب. فدول كندا، وألمانيا، وهولندا، والمغرب، بدأت بتوسيع نطاق استيراده، سواء للأغراض الطبية أو الصناعية، ولبنان يمتلك منتجًا عالي الجودة ومناخًا مثاليًا يضعه في موقع تنافسي دولي. هذا يفتح الباب على مصراعيه أمام التصدير، لا سيما إذا التزمت الدولة بالمعايير العالمية في الترخيص والرقابة والجودة.
لكن النجاح ليس مضمونًا. فكل ذلك يبقى رهنًا بإرادة الدولة في تطبيق القانون بشفافية، ومكافحة الفساد، ومنع تسلل المافيات التي اعتادت على استغلال هذا القطاع. دون ذلك، قد تتحوّل التجربة إلى نسخة مشوّهة من الفوضى السابقة، تحت غطاء قانوني.
القنب اليوم لم يعد محرّمًا عالميًا. في 2020، أزالت لجنة المخدرات في الأمم المتحدة هذه النبتة من لائحة المواد الأخطر، بعد توصية من منظمة الصحة العالمية. دول عديدة شرّعت زراعتها ضمن أطر قانونية دقيقة، وجنت فوائد صحية واقتصادية وبيئية هائلة.
لبنان بدوره يقف اليوم على أعتاب فرصة حقيقية...
فإما أن يحسن إدارة هذا "الذهب الأخضر"، فيُدخل مزارعيه وصناعييه في منظومة إنتاج حديثة، ويصدّر منتجه إلى العالم؛
أو يهدر هذه الفرصة كما فعل في قطاعات كثيرة من قبله.
الكرة الآن في ملعب الدولة... والمزارع... والمستثمر.