ملاك درويش - خاصّ الأفضل نيوز
يعيش لبنان منذ عام 2019 واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، والتي تفاقمت مع مرور الوقت لتصبح أزمة مالية خانقة، ألقت بظلالها الثقيلة على جميع جوانب الحياة في البلاد.
ولم تقتصر آثار الأزمة على التضخم والانهيار الاقتصادي، بل تعدت ذلك لتعميق التفاوت واللامساواة في الدخل بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني.
ماذا عن خلفية الأزمة المالية؟
بدأت الأزمة المالية في لبنان تتجلى بوضوح في أواخر عام 2019، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية. وأدى انهيار الثقة في النظام المصرفي إلى موجة من سحب الودائع وتفاقم أزمة السيولة. مع تراجع الاحتياطي الأجنبي، فأصبح من الصعب على الحكومة تأمين الواردات الأساسية مثل الوقود والدواء، مما زاد من معاناة المواطنين.
وفي السياق نفسه، إن من أبرز مظاهر الأزمة المالية في لبنان هو التفاوت الكبير في الدخل بين الأغنياء والفقراء.
فبينما يعاني الفقراء والطبقة المتوسطة (التي اختفت في هذه الأزمة) من تدهور حاد في مستويات المعيشة، تمكنت الطبقة الثرية من الحفاظ على ثرواتها بل وزيادتها في بعض الأحيان. يعود ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها:
انهيار العملة الوطنية: أدى تدهور قيمة الليرة اللبنانية إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة، في حين استفاد أصحاب الدخل المرتفع والذين يملكون أصولًا بالدولار الأمريكي من هذا الوضع.
التحكم في الموارد: تمكنت الطبقة الثرية مثل التجار وغيرهم من التحكم في الموارد الأساسية مثل الوقود والدواء من خلال الاحتكار، مما جعلها تحقق أرباحًا كبيرة على حساب الطبقات الفقيرة.
التهرب الضريبي والفساد: استفادت الطبقات الثرية من الفساد المستشري والتهرب الضريبي، بينما تحملت الطبقات الفقيرة العبء الأكبر من الضرائب والرسوم.
أما فيما يخص موضوع دخل القطاع العام المتدني، تفاقمت الأزمة المالية في لبنان بشكل خاص على موظفي القطاع العام، وأصبح دخلهم متدنيًا وغير كافٍ لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
هذا الوضع تسبب في تدهور أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وأدى إلى عدة مشاكل تشمل:
انخفاض قيمة الرواتب: مع تدهور الليرة اللبنانية، فقدت الرواتب قيمتها الحقيقية، مما جعل الموظفين غير قادرين على شراء الحاجات الأساسية.
التأخر في دفع الرواتب: عانت الحكومة من صعوبات مالية حالت دون دفع الرواتب في الوقت المناسب، مما زاد من معاناة الموظفين.
الهجرة والبحث عن وظائف بديلة: اضطر العديد من موظفي القطاع العام للبحث عن وظائف إضافية أو حتى الهجرة إلى الخارج لتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
لم تقتصر آثار الأزمة المالية على التفاوت في الدخل فحسب، بل طالت أيضًا الجوانب الاجتماعية، مما زاد من اللامساواة بين مختلف الفئات. برزت هذه اللامساواة في عدة مجالات منها:
التعليم: تدهورت جودة التعليم في المدارس الحكومية، بينما تمكنت الأسر الثرية من إرسال أبنائها إلى المدارس الخاصة والدولية.
الصحة: عانت المستشفيات العامة من نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، مما جعل الحصول على الرعاية الصحية الجيدة مقتصرًا على من يستطيع تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة.
فرص العمل: فقد الكثير من اللبنانيين وظائفهم، وارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير.
في المقابل، استطاعت الفئات الثرية الحفاظ على وظائفها بل وزيادة استثماراتها في بعض الأحيان.
على المستوى الإجرائي، وللتعامل مع هذه الأزمة المالية المستشرسة والحد من التفاوت واللامساواة، يجب على الحكومة اللبنانية اتخاذ إجراءات جذرية تشمل:
إصلاح النظام المصرفي: تعزيز الشفافية والثقة في النظام المصرفي من خلال إصلاحات هيكلية وضبط صارم على المصارف.
مكافحة الفساد: تعزيز سياسات مكافحة الفساد والاستعانة بالصحافة الإصلاحية وتطبيق القوانين بشكل صارم على جميع المستويات..
تحسين الخدمات العامة: تحسين جودة التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى لضمان حصول جميع المواطنين على حقوقهم الأساسية.
تحفيز الاقتصاد: توفير حوافز للاستثمار في القطاعات المنتجة لخلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي،إذ إنه لا يمكن للبنان الخروج من أزمته المالية دون اتخاذ خطوات جادة لإصلاح النظام الاقتصادي والسياسي من جذوره، وضمان توزيع عادل للثروات والفرص.
إن التفاوت واللامساواة اللذين تفاقما بسبب الأزمة المالية ليسا مجرد مشاكل اقتصادية، بل هما تحديان اجتماعيان يتطلبان حلاً شاملاً ومستدامًا.