طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
كل الأنظار المحلية والإقليمية والدولية منصبة على إسرائيل ترقبا لرد محور المقاومة على الاغتيالات السياسية والعسكرية الأخيرة التي ارتكبتها في ضاحية بيروت الجنوبية ودمشق بغداد وطهران فضلا عن عدوانها الجوي على ميناء الحديدة اليمني .
وتجمع التوقعات على مختلف المستويات على أن هذا الرد لن يكون كالذي سبقه ردا على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق في 14 نيسان الماضي والذي لا تزال الآراء فيه تراوح بين قائل إنه كان ردا عاديا ومنسقًا مسبقا مع الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول المهتمة حتى لا يتسبب بحرب شاملة في المنطقة لا يرغب الجميع بالتورط فيها، وقائل إنه لم يكن بالفعالية التي تردع إسرائيل عن عدوانيتها، بدليل أنها عاودت الكرة وواصلت الهجمات والاغتيالات في لبنان وسوريا والمنطقة غير آبهة بأي رادع حتى ولو كان "ولي نعمتها" الأميركي نفسه.
لكن مصدرا في محور المقاومة يقول لـ"الافضل نيوز" في هذا الصدد إن الوضع الآن اختلف عن السابق حيث أن إسرائيل باغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران اعتدت مباشرة على "الذات الإيرانية" وقيادة محور المقاومة"، وباغتيالها القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر (السيد محسن) في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت اعتدت مباشرة على قيادة المقاومة في لبنان وفي المحور ممثلة بالأمن العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فإيران اعتبرت إن اغتيال ضيفها وحليفها هنية في طهران هو اعتداء مباشرة على شرفها قبل أي شيء آخر، واعتداء مباشر تحديدا على المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي وكذلك على الأمن القومي والوطني الإيراني ولذلك لا يمكنها التعامل معه على أنه اعتداء عادي، وإنما هو اعتداء ينبغي أن يكون الرد عليه تهديدا لإسرائيل بوجودها ككيان محتل وغاصب ومجرم يرتكب المجازر منذ نشوئه وقد آن الأوان للخلاص من شروره. وعلى هذا الأساس يفترض أن يكون الرد على مستوى عال من الشدة والقسوة بما يقطع دابره.
ويضيف المصدر نفسه أن ردا زاجرا من هذا النوع لا يمكن أن يقوم به طرف واحد من محور المقاومة وإنما جميع الأطراف بحيث يكون شاملا يحقق الهدف المنشود منه وهو تقويض إسرائيل ودفعها أكثر فاكثر على طريق الزوال الذي وضعتها حرب العام 2006 عليه وتدحرجت في الخطى إلى الحروب الفاشلة التي شنتها على قطاع غزة والضفة الغربية منذ العام 2005 وصولا إلى "طوفان الأقصى" الذي أفقدها قوة الردع التي كانت تمتلكها وأغرقها في رمال قطاع غزة المتحركة وجعلها منذ 10 أشهر وإلى الآن عاجزة عن تحقيق "النصر الكامل" الذي يطمح نتنياهو إليه على الرغم من المسرحية البكائية التي قدمها على مسرح الكونغرس مؤخرًا.
ويؤكد المصدر نفسه أن مستقبل الأوضاع في لبنان والمنطقة سلما أو حربا متوقف على ما ستكون عليه طبيعة رد محور المقاومة على الاغتيالات وكذلك على طبيعة الرد الإسرائيلي على هذا الرد.
فالمحور المحور يخطط لردود رادعة لإسرائيل من دون الذهاب إلى حرب شاملة إذا أمكن، فهو إذا اضطر للذهاب إلى هذه الحرب فإنه يذهب إليها بتوقيته وليس بتوقيت نتنياهو الذي ربما نفذ هذه الاغتيالات لاستدراج إيران وكل حلفائها من دول وحركات مقاومة في المنطقة إلى حرب بتوقيته هو، ويشير المصدر إلى أن محور المقاومة يرى أن توقيت شن حرب التحرير الشاملة لفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر من الاحتلال الإسرائيلي لم يحن بعد.
حاليا إسرائيل ترعد وتزمجر وتتوعد بردود "ساحقة ماحقة" على محور المقاومة سواء اعتمد ردا موحدا أو مجموعة ردود منسقة بين أطرافه. ولكن ليس هناك من يضمن إسرائيل في أنها يمكن أن تكتفي بردود عادية على غرار ردها على الرد الإيراني في 14 نيسان الماضي. إلا أنه، في رأي المصدر، يمكن تلمس طبيعة ما تخطط له إسرائيل في هذا المجال من خلال طبيعة الإسناد الأميركي والغربي لها ودعم " حقها في الدفاع عن نفسها" حسب الأدبيات الأميركية والغربية، فإذا جاء هذا الإسناد دفاعيا على غرار ما حصل في 14 نيسان الماضي أي التصدي لأسراب الصواريخ والمسيرات الإيرانية في الأجواء الإسرائيلية وكذلك في أجواء بعض الدول العربية. فإن ذلك سيعني أن الغرب، والولايات المتحدة الأميركية تحديدا، لا تريد نشوب حرب واسعة النطاق في المنطقة لا يمكن ضمان مصير إسرائيل والمنطقة عموما بنتيجتها.
أما إذا جاء الإسناد الأميركي والغربي لأسرائيل هجوميا ورأينا أن واشنطن وحلفاءها قد انغمسوا في الحرب فذلك يعني أنهم يريدون للحرب أن تكون شاملة وقد أعدوا الخطط اللازمة لها وحددوا الأهداف المرجوة منها والتي قد يكون أولها تصفية القضية الفلسطينية في قطاع غزة حاليا وفي الضفة الغربية لاحقا.
وتفيد المعلومات أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب "متفائل جدا" بأنه سيعود إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل فائزا في السباق الرئسي على منافسته المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس حض نتنياهو الذي التقاه في فلوريدا خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة على إنهاء الحرب التي يشنها على قطاع غزة وعلى الجبهة اللبنانية قبل وصوله إلى البيت الأبيض مؤكدا له أنه لا يعنيه ما يمكن أن يتفق عليه مع الديموقراطيين، وأن ليس في برنامجه الرئاسي أي مشاريع حروب نهائيا، وإنما مشاريع لتعزيز الاقتصاد الأميركي والوضع المالي والنقدي للبلاد الأمريكية عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية والمالية مع مختلف الدول ولا سيما منها الدول الغنية حتى ولو اضطره الأمر إلى الضغط عليها وحتى ابتزازها من مثل ما فعل مع بعض دول الغنية خلال ولايته الرئاسية السابقة.
ومن هنا تؤكد الأوساط السياسية العليمة أن الأشهر القليلة الفاصلة عن نهاية السنة واحتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض أشهر صعبة وحافلة بحروب وأزمات لأن نتنياهو قد أخذ على الأرجح بنصيحة "صديقه" ترامب، وعاد من واشنطن ليشرع في تنفيذ عمليات اغتيال على مستوى عال من الخطورة ومن النوع الذي يتسبب بحروب كبرى أو عالمية والتي تذك باغتيال ولي عهد النمسا الذي تتسبب بنشوب الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بسقوط السلطنة العثمانية وأسست لنشوء الكيان الإسرائيلي المحتل عبر وعد بالفور البريطاني إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية مطلع الأربعينات من القرن الماضي وشكلت المناسبة لاغتصاب اليهود الصهاينة لفلسطين وتشريد شعبها بدعم الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا قبل أن تؤول الأمور لاحقا إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وفي أي حال فإن الوضع في لبنان والمنطقة هو الآن مفتوح على احتمالات شتى أقلها إن ما بدأ في طوفان الأقصى لن ينتهي بما يطمح إليه نتنياهو فمثلما هو يؤكد أن إسرائيل تخوض بعد هذا الطوفان حربا وجودية يتوقف عليها مصيرها، فإن محور المقاومة في المقابل لم يعد أمامه إلا خوض حرب التحرير الشاملة لفلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فإسرائيل دخلت في حرب لن يكون الانتصار فيها سهلا عليها وإذا هزمت ولم تنتصر كما تنبأ على أحد ملوكها المؤسسين ديفيد بن غوريون في مذكراته من أنها "ستسقط عند أول هزيمة تمنى بها". فهي حتى الآن مهزومة ولم تتمكن من تحقيق في أي انتصار بعد على حماس.
وفي المقابل فإن محور المقاومة في حال انهزم ولم يتمكن من تحرير فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر فإنه سيجد نفسه أمام واقع قيام "إسرائيل جديدة" يطمح نتنياهو لإقامتها ولتعيش ثمانين سنة جديدة على أنقاض إسرائيل الحالية التي أوشكت على بلوغ ثمانينها فقدت الصلاحية ولم يعد لديها أي مقومات للاستمرار.