طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
أجمعت الأوساط السياسية التي تتبعت عملية "يوم الأربعين" التي نفذها حزب الله ضد إسرائيل انتقاما لقائده العسكري الشهيد فؤاد شكر على أنها أدت بوقائعها والنتائج إلى تجاوز "قطوع" الحرب الكبرى في المنطقة، وأن العنوان الأكبر لما حصل هو أن المنطقة باتت لا تتجه إلى حرب.
فهذا الرد الانتقامي الذي كان هدفه المركزي مقرَّي "الموساد" والمخابرات العسكرية "أمان" في غليلوات المتاخمة لتل أبيب، يقول مصدر مطلع على موقف حزب الله، فصل لبنان عمليا عن ردود بقية أطراف "محور المقاومة" على الاغتيالات والاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وخصوصا عن الرد الإيراني، وهذا الفصل ستكون له تداعياته الإيجابية والمطمئنة للبنانيين في اعتبار أن رد الحزب لو جاء متزامنا مع الرد الإيراني لكان على لبنان أن يتلقى تبعات الغضب ورد الفعل الإسرائيلي اللذين ستصيبانه في المقام الأول.
وفي ضوء ذلك، يقول المصدر نفسه، سيكون هناك رد إيراني وآخر يمني وينتظر أن يندرجا في سياق رد الحزب نفسه على اغتيال شكر، لأنها سياسة محور المقاومة كمحور قبل أي اعتبار آخر. ويضيف المصدر إن الأمر الآخر الذي يكتسب أهمية كبيرة هو أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال في كلمته التي اختتم بها "يوم الأربعين": "إننا سنرى نتائج العملية فإذا لم تكن كافية سيكون هذا الرد أوليا ونحتفظ لأنفسنا بحق الرد، ويكون ردا مؤجلاً". ولكن هذا الأمر، يقول المصدر، يبقى سيفًا مسلطاً على رقبة الإسرائيلي تبعا للتطورات الميدانية والسياسية أكثر مما سيكون له علاقة بموضوع الانتقام لفؤاد شكر.
أما الأمر الأهم، حسب المصدر نفسه، فهو أن حزب الله خرج بمكتسبات كثيرة من هذه العملية أولها أنه أنقذ معادلات الردع في مواجهة الإسرائيلي والتي كانت اختلت إختلالا كبيرا. وثانيها أنه على رغم من كل التهويلات والتهديدات والتحذيرات الإسرائيلية والحشود الأميركية لم يتغير شيء في الوضع.
وثمة أمر ثالث تحدث عنه المصدر نفسه، وهو أن السيد نصرالله قال للبنانيين "عودوا إلى بيوتكم وعيشوا حياتكم"، وهذا يدل على أن حزب الله يريد إدارة الوضع في الجنوب وفق قواعد الاشتباك القائمة بالحد الأدنى، ويريد للوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد أن لا يتأثر بما جرى، يعني وفق معادلة هانوي ـ هونكونغ التي كان يتحدث عنها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط. ولكن حزب الله يعمل الآن على تركيب معادلة هانوي هونكونغ بعضها مع بعض، أو "معادلة جبيل ـ بنت جبيل"، فهو يريد أن يكون البلد في حالة انتعاش اقتصادي في مقابل استمرار المقاومة كقوة ردع لأي عدوان على لبنان.
اكثر من ذلك، يقول المصدر نفسه، أن السيد نصرالله قال للإسرائيلي أن حزب الله لم يستخدم الصواريخ البالستية بعد ولكن يمكنه أن يستخدمها في وقت لاحق أو قريبا، وفي هذا الكلام رسالة تحذير للإسرائيلي مفاده أن عليه التوصل إلى حل سياسي "ونحن ننتظر ما ستنتهي إليه المفاوضات بين إسرائيل وحركة "حماس" برعاية واشنطن والقاهرة والدوحة.
فالشغل الشاغل لمحور المقاومة وما تعكسه التصريحات الإيرانية في هذا الأطار هو التركيز على وقف الحرب على غزة وهذا الأمر هو ركيزة الموقف. ولكن السؤال الكبير المطروح في هذا السياق هو: ماذا لو اخفقت هذه المفاوضات وانتهت؟.
فالأميركي اتخذ قرارا بأن لا يعلن انتهاءها وسيفتش دوما عن حجة أو ذريعة لإطالة أمدها أمام تعنت نتنياهو.
لكن إذا وصلت هذه المفاوضات في النهاية إلى طريق مسدود وتبين أنها لن تحقق أي اتفاق ماذا سيحصل في هذه الحال؟، يسأل المصدر نفسه ثم يجيب: "على رغم من كل ذلك فإن محور المقاومة ليس في وارد الانزلاق إلى حرب مهما كان الوضع في فلسطين".
وعندما قيل للمصدر: "هل إن المحور ليس في وارد الدخول في الحرب لأنه ليس وقتها، أم لأنه ليس جاهزا لها؟ أجاب: "لأن الإيرانيين يقولون "إن هذا الأمر هو فخ نصب لنا للدخول في اشتباك مع الولايات المتحدة الأميركية وهذا ما يريده نتنياهو"، وهذا ما يهرب منه الإيراني ويقول إن أحدا لا يستطيع أن يجبره على الدخول في حرب من هذا النوع الآن".
ويضيف المصدر: "إن أصعب سيناريو يواجهه الإسرائيلي هو سيناريو الاستنزاف وليس سيناريو المواجهة الكبرى. ولذلك إن أخفقت المفاوضات فإن محور المقاومة سيلجأ كخطوة أولى إلى تطوير سياسة الاستنزاف للإسرائيلي ويستمر في هذا الخيار ويطور آلياته واستهدافاته.
وثمة نقطة مهمة، يشير إليها المصدر المطلع على موقف حزب الله وهي أن السيد نصرالله قال "إننا في المحور درسنا القيام برد إفرادي أو رد متعدد على الاغتيالات الإسرائيلية ، لكن لأن المحور لا يريد الانزلاق إلى حرب شاملة فقد اختار الردود المنفردة والتي كان منها رد حزب الله في يوم الأربعين، وترك ورقة الرد المتعدد لاستخدامها في حال ذهاب الإسرائيلي في اتجاه الحرب الشاملة لأن الجبهات كلها إذا فتحت الآن على الإسرائيلي فإن الأميركي لن يقف محايداً وإنهما سينخرط فيها إلى جانبه".
ويقول المصدر إنه تبين من الدروس التي استخلصت من رد حزب الله أن نتنياهو ليس حرا في خياراته، وأن الأميركيين يمسكون بخنّاقه ولو كانت لديه الحرية لكان لجأ إلى رد قاس على رد حزب الله و
يبقى، حسب المصدر، أن الوضع على الجبهة الجنوبية يتجه بعد عملية "يوم الأربعين" إلى العودة إلى قواعد الاشتباك التقليدية أو الضيقة أو الواسعة في انتظار نتائج المفاوضات، فإذا لم تنته بوقف لإطلاق النار فإن الإسرائيلي سيبقي على نفسه في حالة الاستنزاف التقليدية المفتوحة.