نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
كان الأخضر الابراهيمي يقول لكبار القوم (ويا لهم من كبار !!): "من يريد إشعال أزمة في بلادكم لا يحتاج إلى أكثر من عود ثقاب. ومن يريد إطفاءها كمن يطفئ النيران في غابة.
يحتاج إلى مؤازرة الأقربين والأبعدين".
الآن، لا يقترب الأقربون، ولا الأبعدون من أزماتنا. إن اقتربوا فمن أجل أن يدوروا حولها، أو في داخلها، حتى أن اقترابهم يتحول، بحد ذاته، إلى أزمة.
لم يعد لبنان التشكيل الفسيفسائي من الطوائف فحسب. بات التشكيل الفسيفسائي من الأزمات، لينقل عن أحد سفراء اللجنة الخماسية قوله "كان يفترض أن ندرك، منذ البداية، أننا لكي نحل مشكلة الفراغ الرئاسي، ينبغي أن نحل كل الأزمات الأخرى التي لا نعرف من أين تبدأ ومن أين تنتهي".
لا ندري مدى دقة الكلام الذي نقله أحد النواب في كتلة "أمامية" عن الموفد الفرنسي جان ـ إيف لودريان الذي طالما شككنا بحنكته الديبلوماسية، وقد شاهدناه في الكي دورسيه (مقر الخارجية الفرنسية) مثالاً للشخصية التقليدية وحتى الشخصية البيروقراطية قال "إذا تجاوبتم مع أفكار آموس هوكشتين، وحللتم، بصورة جذرية، قضية الحدود تحلّ كل مشكلاتكم تباعاً"، لنستنتج أن أزمتنا أو أزماتنا، نشأت بإيحاء إسرائيلي مباشر أو غير مباشر.
هل زادت أحداث هذا العام من تعقيد تلك الأزمات، أم أن تفجير الجبهة كان ضرورة (تكتيكية أم استراتيجية؟)، وفي إطارِ قواعد الاشتباك لشق الطريق، ولطالما رأينا فيه طريق الجلجلة، الذي يوصل إلى التسوية.
في عام 1974، أجريت حديثاً مع عميد حزب الكتلة الوطنية ريمون إدة، كوجه من الوجوه النظيفة والمؤثرة في البلاد. قال لي "لبنان يشبه القطعة المعدنية بين قطبين مغناطيسيين متضادين، من جهة سوريا التي تمثل العالم العربي، ومن جهة أخرى إسرائيل التي تمثل العالم الغربي ليعيش لبنان في حال من التوازن على مدى نحو عقدين، إلى أن اندلعت حرب حزيران 1967. آنذاك انكسر القطب السوري ليتأرجح لبنان في المتاهة، دون أن يكون بإمكان أحد التكهن بما ينتظرنا".
ما ينتظرنا كان سلسلة من الأهوال التي بدأت باتفاق القاهرة (1969 )، إلى الحرب الأهلية عام 1975، ثم الدخول السوري (1976)، إلى الاجتياح الإسرائيلي (1978) الذي فتح الباب على مصراعيه للاجتياح الثاني (1982))، ليأتي اتفاق الطائف (1989) كمدخل للعبور إلى الجمهورية الجديدة، ودون الطائفية السياسية، كأصل للبلاء في ما أصاب لبنان من نكبات دموية...
أزمتنا الإسرائيلية ازدادت حدة عقب حرب تموز 2006، حتى إذا ما دخل البعد الإيراني إلى الأزمة، باتت أكثر خطورة وأكثر ارتباطاً بأزمات، وبصراعات المنطقة، وحيث الحاجة إما إلى حرب كبرى تنتهي بتسوية كبرى، أو إلى جراحة ديبلوماسية عميقة وشاملة.
لكن ما حدث في غزة جعل إسرائيل نفسها أمام أزمة بنيوية، بل أمام أزمة وجودية. لم تعد بالقوة الأسطورية التي لا تقهر، ولم يعد الأميركيون ينظرون إليها كوديعة إلهية.
أيضاً، لم تعد، وكما وصفها الفيلسوف اليهودي الفرنسي برنار ـ هنري ليفي، "الفردوس اليهودي".
أصوات كثيرة بدأت تعلو في الشارع، أو عبر وسائل الإعلام، حول "الجحيم اليهودي" وحيث " نصنع الهولوكوست بأيدينا".
كيف كان بإمكان أولئك المقاتلين بالأسلحة الفردية، اختراق موازين القوى على ذلك المستوى الذي زعزع حجارة حائط المبكى؟
كل القرارات الكبرى متروكة إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، إما الانفراج أو الانفجار.
جاك نيريا السياسي الإسرائيلي الذي كان مستشاراً لإسحق رابين، والذي ولد وترعرع في لبنان (في إسرائيل يصفونه بكلمة Le Libanais)، يرى أن كل شيء باق في دوامة الدم إلى أن تتكشف شخصية الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة.
إذا عاد دونالد ترامب، وقد هاله صغر مساحة الدولة العبرية، فقد نكون، وبضغط من اللوبي اليهودي، أمام وضع معقّد جداً، بالتركيز على إعادة رسم خرائط المنطقة لتتواءم مع المقتضيات الأمنية وحتى اللاهوتية لإسرائيل.