عماد مرمل- خاصّ الأفضل نيوز
شكلت العملية النوعية التي نفذها المواطن الأردني ماهر الجازي ضد عناصر الاحتلال الإسرائيلي على معبر الكرامة بين الضفة الغربية والأردن علامة فارقة في مسار المواجهة مع العدو الإسرائيليّ.
وبهذا المعنى، يمكن القول أن العدو بوغت بتلك الضربة التي ا
أتته من حيث لم يحتسب، بعدما كان يفترض أن الأردن أصبح "خارج الخدمة" بفعل معاهدة السلام الموقعة معه.
من هنا، فإن أهمية العملية التي نفذها الشاب الأردني لا تقتصر فقط على ما ألحقته من خسائر في صفوف الإسرائيليين الذين قُتل منهم ثلاثة، وإنما تتعدى ذلك إلى الدلالات العميقة التي تختزنها.
فقد بعث المواطن الأردني الجازي عبر رصاصات مسدسه برسالة واضحة إلى كلّ من يهمه الأمر، مفادها أن السلام المزعوم مع كيان الاحتلال هو وهم وأن التطبيع معه ليس سوى سراب.
لقد ثَبَت بعد عقود من توقيع معاهدة سلام بين الكيان الإسرائيليّ من جهة ومصر والأردن من جهة أخرى أن مفاعيلها لم تسر عمليًّا على السواد الأعظم من شعبي الدولتين اللذين ظل عداؤهما للاحتلال راسخًا وبقيت فلسطين بالنسبة إليهما هي البوصلة، على الرغم من كل محاولات تطويعهما للأمر الواقع.
بناء عليه، فإن رمزية عملية معبر الكرامة تكمن في أنها ثأرت لكرامة مهدورة وأنها أظهرت أن نبض الشعوب العربية لا يزال حيًّا وإن تراجع أحياناً أو جرى طمسه لبعض الوقت.
وكان لافتًا أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حاول على الفور تحوير الوقائع والحقائق عبر ربط هجوم المواطن الأردني بما يسميه "محور الشر" الإيراني، في حين أن تحقيق السلطات الأردنية أكد أن هذا الهجوم تم بمبادرة فردية.
لقد أراد نتنياهو عبر زج العامل الإيراني في العملية، تشويه دوافعها ونزع هويتها، في محاولة لإنكار الواقع والتغطية على إخفاق قواته الحدودية التي نجح شخص منفرد في اختراق منظومة إجراءاتها الأمنية وتلقين أفرادها درسًا قاسيًا ومؤلمًا.
ومن الواضح أن نتنياهو ظن أن استحضار إيران من خارج النص سيؤدي إلى تنشيط الحساسيات والهواجس المذهبية على حساب جوهر العملية ومؤشراتها العابرة لأي اصطفافات ضيقة، إلا أنه لم يفلح خصوصًا أن المنفذ ينتمي إلى إحدى العشائر العربية العريقة والأصيلة في الأردن.
لقد قرر ماهر الجازي "إسناد" غزة على طريقته، ليكتمل ولو الطوق العربي حول عنق الكيان، من القطاع إلى الضفة فالجنوب اللبناني والأردن والعراق واليمن، ما يعيد تسليط الضوء على حقيقة أنه كيان هجين وجسم غريب لا يمكن أن يتقبله محيطه، حتى لو ربطته مع بعضه معاهدات سلام أو اتفاقيات تطبيع تبين بالتجربة أنها "فوقية" وأعجز من أن تحاكي وجدان الشعوب العربية.
والأرجح أن "ماهرين" كُثرًا من طينة ماهر الأردني هم كامنون في كثير من الأماكن وينتظرون الفرصة المناسبة لينقضوا على الاحتلال ويثأروا منه، فهل يأخذ المتحمسون للتعايش مع العدو بوداعة العبرة مما فعله الشجاع الجازي على الجسر الفاصل بين المهابة والمهانة، أم يصرّون على أنه يمكن للذئب أن يجاور الحمل من دون أن يلتهمه ولو بعد حين؟