د.علي ناصر ناصر - خاصّ الأفضل نيوز
تفوق الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، سواء أكانت مباشرة أو عبر وكلائها، من دول وكيانات مسلحة أي قوة دولية في عصرنا الحالي، حيث بلغ مجموع ما قتلتهم بشكل مباشر بعد الحرب العالمية الثانية في الحرب الكورية والعراقية والأفغانية 12 مليون شخص بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبتها بعض الدول والحكومات ضد شعوبها خاصة في دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية.
لقد اشتركت الولايات المتحدة منذ بداية القرن العشرين بعدد من الحروب كلفت البشرية عشرات الملايين من القتلى وسببت الخراب والدمار الهائل على البشرية والإنسانية .
مثَّلت الولايات المتحدة الحضارة الأكثر خطورة ، اختبرتها البشرية التي أُسست على القتل والنهب وقدمت أنموذجاً في إخضاع الشعوب من خلال بلورة مجموعة من القوانين والأنظمة والمؤسسات الدولية التي تساهم هي نفسها بقوة في تمويلها وإدارتها.وتتحكم في أهدافها وآليات عملها على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتمكنت الولايات المتحدة بفعل القوة العسكرة والقوة الاقتصادية والقوة التكنولوجية من السيطرة على نمط ومجريات العلاقات الدولية، وانتقلت بفعل ذلك من الاستعمار والهيمنة والسيطرة الإمبريالية التقليدية إلى التحكم والسيطرة وإخضاع الشعوب والأنظمة بفعل القوة الاقتصادية المتمثلة بالشركات العابرة للقارات والمؤسسات الدولية التي تسيطر عليها، والهيمنة التكنولوجية عبر تحكمها بأدوات الاتصال والتواصل، ولا تتوانى عن العمل على تغيير أنظمة الحكم المعارضة التي لا تتكيف مع برامج العولمة الأمريكية أو محاصرتها وشل قدراتها مستخدمة في وجهها عقوبات اقتصادية وهي عملياً حصار اقتصادي فعلي وتقوم بتشويه صورتها عبر آلة إعلامية ضخمة.
التوسع وعقلية الغزو والسيطرة
شكل المهاجرون الأوائل إلى الأرض الجديدة التي أصبحت تدعى الولايات المتحدة الأمريكية العقل الذي أسس الديمومة السياسية الأمريكية، هؤلاء المهاجرون الذين يغامرون بعبور المحيط الأطلسي كان هدفهم الرئيسي أن يستوطنوا تلك الأرض وإزالة ومواجهة جميع العوائق التي تحول دون ذلك سواء كانت طبيعة أو بشرية، لذلك أبادوا السكان الأصليين وقتلوا منهم ما يتجاوز 50 مليون شخص حتى القرن التاسع عشر، لذلك هذه البنية الأخلاقية تسمح للسياسي الأمريكي بتبرير ضرب اليابان بالأسلحة النووية، أو قتل أكثر من 4.5 مليون فيتنامي، أو تبرير قتل ما يتجاوز 500 ألف طفل عراقي نتيجة الحصار الأمريكي، أو تبرير حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
كانت السلطة السياسية التي تنشأ تشرِّع لنفسها أن القتل ومحو السكان من أجل البقاء عمل مشروع سياسياً وأخلاقياً، فكان القتل والإبادة في صلب عقيدة الدولة الصاعدة، ويهدف إلى محو الذاكرة والتاريخ والحقوق حتى لا يبقى من يدعي بملكية الأرض، وهذا بالضبط ما تفعله الصهيونية في فلسطين، وتعتمد بذلك على القوة والقوة الغاشمة فقط. تحول هذا الفكر في تسويغ القتل والإبادة إلى مؤسسة ، والمؤسسة أصبحت حكومة ودولة ومعهدًا سياسيًّا يتخرج منه كبار السياسيين الذين توالوا على ممارسة القتل والعنف والدمار في مختلف أنحاء العالم.
نشأت الشركات والمستوطنات في أمريكا قبل الدولة وكانت الدولة حاجة لها وليس العكس، وأصبحت هذه الشركات ومن أجل حماية مواردها بحاجة إلى حماية أمنية فكانت الوظيفة الجديدة للدولة في بناء الشرطة، ومن أجل حماية مصالحها التجارية في الخارج كانت هناك قوات البحرية الأمريكية وكان الجيش الأمريكي، وجميعها كانت في خدمة مصالح القطاع الخاص وشركاته التي أسستها مجموعة من القتلة واللصوص.
التحالفات الأمريكية والأنظمة المستبدة والمتخلفة
تتحالف الولايات المتحدة في العالم مع قوى استعمارية شكلت معها قوة عالمية تمثل القتل والدمار والنهب أو أنظمة مستبدة تقوم على القهر والتنكيل بشعوبها، وتتحالف مع قوى وكيانات متخلفة تعمل على تفكيك وتوهين الوحدة الوطنية لبلادها، وفي مقدمتها لبنان وفنزويلا وكوبا حيث القوى المتحالفة معها تمنع عملية الإصلاح الحقيقي داخل أوطانها وتضرب أسس الاقتصاد الوطني وفكرة الحرية وحقوق الإنسان.
تعتمد السياسة الخارجية الأمريكية على "احتواء" الخصوم وتطويعهم ودفعهم إلى تبني المفاهيم الأمريكية وجعلهم جزءًا من الثقافة الرأسمالية والليبرالية التي تتحكم بها وتديرها، وهذا ما فعلته مع اليابان وألمانيا وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. إضافة إلى ذلك ورثت الولايات المتحدة القوى الاستعمارية في العالم وحلت مكان فرنسا في منطقة الهند-الصينية، وارتكبت المجازر واستخدمت القوة الفتاكة في فيتنام في قتل المدنيين وقصف المدن وتدميرها قبل أن تخرج مهزومة. وحلت مكان بريطانيا وفرنسا معاً في منطقة الشرق الأوسط وكانت إسرائيل أداتها في القتل والتهجير وعندما أصابها العجز والخوف بعد عام 2000 إثر هزيمتها في جنوب لبنان تدخلت مباشرة في المنطقة من خلال اجتياح العراق وأفغانستان وارتكبت أفظع الجرائم والمجازر بحقهما قبل أن تخرج مهزومة أيضاً. وإذا نظرنا إلى العالم الحالي نجد أن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين من دول وحكومات يسيطر عليها الاستبداد والفساد سواء في أفريقيا أوآسيا وأمريكا اللاتينية.
اللوبي وصنع القرار السياسي الأمريكي
تعكس الإدارة الأمريكية في تكوينها مجموعات المصالح وتسمى أيضاً مجموعات الضغط، التي تلعب دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي وتشكيل الحياة السياسية الأمريكية وهي ما يصطلح على تسميتها "باللوبيات" التي تمتد عميقاً بالمؤسسات الرسمية الأمريكية.
تعكس مجموعات الضغط بطبيعتها مختلف المصالح والأفكار والاتجاهات التي تسود المجتمع الأمريكي، وتضم القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتجارية، التي تمثل أصحابها وتدفع نحو تبني قضاياها من قبل صنّاع القرار داخل الكونغرس أو الحكومة الأمريكية أو على مستويات مختلفة داخل الولايات الأمريكية وخاصة على صعيد التعيينات الإدارية والقضائية. واللوبيات داخل الولايات المتحدة لا حصر لها وهي في حالة تزايد مستمر ولكنها تتفاوت من حيث القوة والتأثير حيث يبرز "لوبي" السلاح والأدوية والتكنولوجيا والنفط، واللوبي الصهيوني من أكثر قوى الضغط التي تساهم في تشكيل الطبقة السياسية قبل الانتخابات ويعمل على التأثير الدائم في صناعة القرار بعد استلام السلطة.
وجميع "اللوبيات" المذكورة تعكس مصالح الشركات التجارية التي تساهم مالياً بشكل كبير في الحملات الانتخابية والتي يعمل المرشح على استرضائها.
نتيجة لكل ذلك يظهر السياسي الأمريكي بصفته يعكس مصالح قوى وشركات تجارية وليس بصفته البرلمانية التمثيلية التي تعكس الإرادة الحرة للمواطن، ويعكس في سلوكه السياسي من القضايا السياسية الداخلية والخارجية ما تمليه عليه مصالح تلك القوى والشركات. وهذا امتداد منطقي للبناء السياسي الأمريكي الذي تُبرزه وسائل الإعلام المملوكة من قبل هذه شركات وتتبع لها وتعكس مصالحها، لذلك نجد جميع هذه القوى والمجموعات تتماهى مع عمليات القتل والمؤامرات التي تنفذها الولايات المتحدة في الخارج أو تنفذها حكومات فاسدة ومستبدة حليفة لها.
تمثل الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة تعبيراً عن مجموعة من المصالح الاقتصادية والتجارية والعسكرية للشركات الأمريكية التي تبحث عن أسواق لتصدير منتجاتها ولا تتوانى عن فعل أي شيء من أجل ذلك، وتمثل إسرائيل النموذج الأفضل في تسويق الإنتاج العسكري الأمريكي وتؤمن بذلك الرضا المطلوب للإدارات الحاكمة من قبل شركات التصنيع العسكرية، فالقتل يصبح هنا مطلبًا اقتصاديًّا حثيثًا للداخل الأمريكي.