ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
وفق المقترح الأميركي، وبتعديلات راعت مطالب الجانبين، أبصر اتفاق هدنة الستين يومًا بين إسرائيل وحزب الله النور، وحققت إدارة الرئيس جو بايدن إنجازاً، ولو جزئياً، قبل مغادرته البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل وتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة، على يد وسيطها اموس هوكشتاين الذي دخل التاريخ اللبناني، من حدثين، الأول، ترسيم الحدود البحرية، والثاني، وقف الأعمال العدائية، ليغادر بإنجازه البيت الأبيض الذي زاره أمس مودعًا، في طريقه نحو الانتقال للإقامة في الإمارات العربية، حيث مركز عمله الجديد.
وإذا كانت احتفالات النصر التي أقامها مناصرو الحزب وفرحة أهالي الضاحية والجنوب بالعودة إلى قراهم ومنازلهم طبيعية استنادًا إلى مفهومهم للنصر، على وقع رصاص الابتهاج وكلمتي الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي بما تضمنتا من إشارات بالغة الدلالات، ازدحمت الساحة المحلية بالمواقف السياسية، حيث لم تخف أوساط دبلوماسية مخاوفها من المرحلة القادمة، متقاطعة في ذلك مع ما نقل عن مرجعية روحية من قلق على المستقبل واعتبارها أن "الجد بلش هلق".
وفيما تختلف القراءات للورقة التي تؤلف بنود وقف العمليات العدائية، حيث لكل من الطرفين ورقته وتفسيره للالتزامات والموجبات المفروضة عليه، تستمر التحليلات والنقاشات، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، للأسباب التي دفعت برئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى اتخاذ قرار "تعليق" الحرب على الجبهة الشمالية، رغم أن الدوافع الثلاث التي تحدث، قدمت تبريرًا لم يقنع المستوطنين أو المعارضة الداخلية.
وفي هذا الإطار يكشف مصدر دبلوماسي أميركي أسبابًا أربعة، أجبرت "بيبي" على حسم خياره، آملًا في كسب الوقت المطلوب لتمرير الفترة المتبقية من عمر الإدارة الديمقراطية، وهي:
أولًا، رغبة تل أبيب في نقل الصراع إلى الداخل اللبناني، في ظل الأزمات التي يعاني لبنان، والتحديات التي تنتظره بعد الحرب، حيث تكشف مصادر دبلوماسية أن تعويل الحكومة اللبنانية على الخارج في عملية إعادة الإعمارِ لن تكون بالسهولة المتوقعة، في ظل "الحصار" الدولي – العربي المفروض، والذي لن يفك قبل "إصلاح الوضعين السياسي والاقتصادي، فضلًا عن سعي إسرائيليّ إلى خلق إشكال وشرخ بين الجيش اللبناني وحزب الله من جهة، وبين السلطات الرسمية اللبنانية والمجتمع الدولي من جهة ثانية، خصوصًا أن المحاولات التي قامت بها اليونيفيل في غضون الأيام الماضية أعطت صورة لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع.
ثانيًا، الضغط الكبير الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي، بكل وحداته البرية والبحرية وخصوصًا سلاح الجو، الذي استنزفت موارده في القتال على الجبهات السبع، فالحرب المستمرة منذ أكثر من سنة، تسببت في نقص كبير في مخزون السلاح، وهو "الجزرة" التي عرضتها واشنطن على تل أبيب كإغراء للسير في الاتفاق، خصوصًا أنها في حال قررت التعامل العسكري مع إيران، وهو ما ألمح إليه كل من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي تحتاج إلى الذخائر الخارقة للتحصينات، وإلى تعزيز قدرات منظوماتها المضادة للصواريخ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، الحاجة إلى العنصر البشري، في ظل تخلف الحريديم عن الخدمة العسكرية، وما سببه ذلك من أزمة داخلية.
ثالثًا، مرتبط بأن الأهداف الموضوعة لحرب الشمال تختلف كليًّا عن تلك المرتبطة بحرب غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى إنهاء وجود حماس في القطاع بشكل كامل، عسكريًّا وسياسيًّا، فيما الهدف في جنوب لبنان يرتكز إلى "تحييد" خطر حزب الله عن سكان المستوطنات، لذلك كانت المرحلة الأولى من العمليات التي هدفت إلى تدمير التحصينات وشبكة الأنفاق ومخازن الأسلحة الخاصة بقوات الرضوان، ما أبعد شبح اقتحام الجليل، الذي طالما هدد به أمين عام الحزب السابق السيد حسن نصرالله، أما المرحلة الثانية فهدفت إلى إبعاد المجموعات المضادة للدروع والتي ألحقت اضرارًا كبيرة وجسيمة في المستوطنات والمواقع العسكرية، الواقعة ضمن حدود الـ 15 كلم من الحدود، وكذلك بالمدرعات الإسرائيلية، والوحدات الصاروخية، المكونة من الصواريخ "العمياء" القصيرة المدى التي نجحت في إعماء منظومات الدفاع الجوي واستنزافها فاتحة المسارات أمام المسيرات والصواريخ المتوسطة والباليستية، وهي أمور تمَّ احتواؤها بشكل جزئي، فيما تركت باقي المهمة على عاتق القوات المسلحة اللبنانية واليونيفيل، بضمانة أميركية.
رابعًا، سياسي بامتياز، نابع من خوف إسرائيل من أن تتصرف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المنتهية ولايتها على غرار إدارة سلفها باراك أوباما الذي سمح بتمرير القرار 2334 الملزم في مجلس الأمن ، وهو يدين الاستيطان في الضفة الغربية، انتقامًا من اصطفاف تل أبيب إلى جانب الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وتشير المصادر إلى أن هذه الأسباب لم تقنع الداخل الإسرائيلي، وتحديدًا سكان الشمال الذين يشكلون كتلة وازنة في الانتخابات، خصوصًا أن القرار الحكومي الصادر قضى بتأجيل عودتهم إلى مستوطناتهم لأشهر، وهو ما يطرح علامات الاستفهام، من ضمن سلسلة من علامات الاستفهام حول أكثر من تدبير إسرائيلي تتكتم تل أبيب عن أسباب اتخاذها.