نبيه البرجي - خاصّ الأفضل نيوز
حين تحدّث موشي هالبرتال ، أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية ، عن "المحاكاة الايديولوجية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة التي يفترض أن تقود النظام العالمي على امتداد الكرة الأرضية وإسرائيل التي يفترض أن تقود النظام الإقليمي على امتداد الشرق الأوسط" . وهو صاحب الرأي القائل أن إسرائيل دولة مقدسة لا يجوز أن تضم اليهود والعرب ، كذلك أورشليم مدينة مقدسة ولا يجوز أن تجمع العرب واليهود" .
من هنا الأصوات التي بدأت تعلو داخل اليمين الإسرائيلي ، وبعدما نجح الائتلاف في إنهاء الصراع في المنطقة بإخراج لبنان وسوريا من الحلبة ،مثلما خرجت مصر ،وخرج الأردن ، لتكريس النظام الجديد في الشرق الأوسط بقيادة إسرائيل وبعدما بدا للإيرانيين كما للأتراك أن أي محاولة للمس بالأمن الوجودي أو للأمن الاستراتيجي للدولة العبرية تعني وضع كل من إيران وتركيا على اللائحة السوداء .
أين المنطق (إلا إذا كان منطق الضفدعة التي حاولت أن تكون بحجم الثور) في أن تنتفخ إسرائيل إلى هذا الحد . بعد أكثر من 14 شهراً من العملية العسكرية لم تستطع الأرمادا الجوية ولا الأرمادا البحرية ولا الأرمادا البرية الإسرائيلية من القضاء على المقاومة في غزة بالأرض الضيقة والمسطحة ، وبالحصار الرهيب ، على مدى سنوات . هذا دون إغفال قول جدعون ليفي الذي يفترض التذكير به دوماً "لولا الإمدادات العسكرية الأميركية اليومية لكان علينا أن نقاتل الفلسطينيين بالعصي والحجارة" .
أيضاً في لبنان ، القاذفات أميركية والقذائف أميركية وحتى الإحداثيات أميركية ليظهر في نهاية المطاف أن إسرائيل تبقى القهرمانة الأميركية حتى وإن تمكنت المؤسسة اليهودية من تهويد البنية الايديولوجية وحتى البنية الاستراتيجية للولايات المتحدة .
هناك أميركا فقط وهناك النظام العالمي الجديد الذي يعني النظام الأميركي وحيث الأمبراطورية التي لا مثيل لها في التاريخ بالاختراق الثقافي لكل مجتمعات العالم ، كرديف بنيوي للاختراق العسكري والاقتصادي . مشكلتنا في الشرق الأوسط هي ارتباط السياسة الأميركية بالسياسة الإسرائيلية .
ما رأي الأميركيين حين يقول الجنرال رافاييل إيتان أن دول العرب ينبغي أن تكون مقابر للأحياء ؟
حقاً ،كعرب ، أين مكاننا في العالم ، بل أين مكاننا في القرن . لا قوة سياسية ، ولا قوة عسكرية ، ولا قوة صناعية .
تصوروا أن يقول سيناتور بارز مثل لندسي غراهام "لولا إسرائيل لما كان هناك ذلك الشيء الذي يدعى الشرق الأوسط" .
منذ يضع سنوات احتسبت "الفاينشال تايمز" عائدات الدول العربية من النفط ،منذ بدء استثمار الحقول بطبيعة الحال كانت النتائج مذهلة . من هي القوة التي حالت بيننا وبين الدخول في الزمن التكنولوجي ،وإن كان ذلك رهن بدخولنا في الزمن الأميركي . ولكن متى لم تكن دولنا أميركية الهوى ، وأميركية الولاء ، حتى أن قيادة القيادة المركزية التي تشمل صلاحيتها أجزاء من آسيا الوسطى ، ومن جنوب آسيا ،موجودة على أرض عربية ؟
هذا العام كان عام الكوارث الكبرى ، عام النكبات الكبرى . أهي التكشيرة الإسرائيلية أم هي التكشيرة الأميركية ، لنصل الى هذا القاع . أين فلسطين ،وأين لبنان ، وأين سوريا ؟ بل ... وأين الشرق الأوسط الذي كنا جميعاً تحت راياته ، وكانت أيامنا العظمى (مابين غرناطة وحطين ، وما بين القادسية وعين جالوت) . ثمة من عمل على تشويهه بتلك الطريقة المروعة لنكون أمام رايات من كل الأنواع ، ومن كل الأجناس .
مكسيم رودنسون وصف الإسلام بالديانة التي تفتح الآفاق أمام العقل البشري ، وأمام الروح البشرية ، لنجد أمامنا تلك النماذج الغرائبية لكأنها خرجت للتو من كهوف تورا بورا .
لنتذكر نظرية صمويل هانتنغتون حول "صدام الحضارات" . الحضارة اليهومسيحية ضد الحضارة الكونفوإسلامية . هذه لم تكن مجرد نظرية على الورق ،بل أخذ بها العديد من المخططين الذين يتولون صياغة الاتجاه الفلسفي ، والاستراتيجي ، للادارة الأميركية . عداء غير معلن للاسلام ، ليلاحظ المراقبون كيف كان رد فعل إدارة جو بايدن على المشروع الباليستي في باكستان وهي الدولة الحليفة ـ تاريخياً ـ لبلاده . يقابل ذلك عدم التوقف عند الترسانة الصاروخية الهندية ، والتعايش مع المشروع الباليستي الكوري الشمالي الذي على قاب قوسين من الشواطئ الأميركية على الباسيفيك .
الآن ، نحن أمام تغيرات محتملة في الخارطة الاستراتيجية للشرق الأوسط . بنيامين نتنياهو أشار الى نظام إقليمي جديد أحدثته حكومته ، بعدما كان فلايمير بوتين قد قال إن النظام العالمي الجديد ينبثق من دمشق .
زعيم الليكود يعتقد أن النظام الإقليمي قام بمجرد أن انقطعت السلسلة الحديدية بين خراسان وبنت جبيل .
لم يعد مجدياً سؤال السوريين "أين الحليف الروسي ؟" . الملاحظ أن وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين بدأت تبرّر موقف موسكو بالقول إن الوضع في الداخل السوري ، وبسبب الضائقة الاقتصادية، كان على وشك الانفجار ، وكان لا بد للرئيس بشار الأسد أن يغادر المسرح بطريقة أو بأخرى .
على كل ،الروس الذين لاحظوا أن وجودهم في حميميم أو في طرطوس لم يعد منطقياً مع قيام نظام جديد في دمشق ،بدأوا يحزمون حقائبهم للرحيل ، وبعدما كان بطرس الأكبر يتمنى لو يضع قدميه في المياه الدافئة .
كلنا من المحيط الى الخليج تحت الأنقاض . ولكن ألم يخرج الألمان ، واليابانيين ، والكوريين ، والفيتناميين ، من تحت الأنقاض والانخراط بخطى ثابتة في لعبة القرن ؟
إنه الشرق الأوسط الذي قال ول ديورانت "ربما بدأت أزماته الأبدبة منذ أن نزل آدم من الجنة الى الأرض" . ولكم ليستدرك المؤرخ والفيلسوف الأميركي صاحب "قصة الحضارة" قائلاً "ولكن دائماً ما كان يوجد ذلك الشخص الذي يعمل لتحويل المنطقة إلى جهنم" . لعله كان يقصد بنيامين نتنياهو ...