ترجمة - الأفضل نيوز
مع أنّ غرينلاند ليست معروضة للبيع، لكنّ الرئيس المنتخب دونالد ترامب لم يتورّع عن محاولة الاستحواذ على الجزيرة. وكان قد طرح فكرة شراء الجزيرة ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالمعادن لأوّل مرّة في العام 2019، حينذاك رفضت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن اقتراحه، وأكدت أنّ "غرينلاند ليست للبيع"، وَهي تتمتّع بالحكم الذاتي تحت التاج الملكي الدنماركي. وبينما يستعدّ ترامب للعودة إلى المكتب البيضاوي في 20 الشهر الجاري، جدّد دعوته إلى الاستحواذ على الجزيرة، وألمح إلى أنّه قد يتّخذ تدابير أكثر صرامة للقيام بذلك.
أعلن ترامب في الشهر الماضي عن اختياره السفير القادم لدى الدنمارك وغرد قائلاً: "تشعر الولايات المتّحدة الأميركية أنّ ملكية غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة. وكما حدث من قبل رفضت كلّ من غرينلاند والدنمارك عرض الرئيس المنتخب، ولكنّ هذا لم يفعل الكثير لردع ترامب، الذي يستمرّ بتكثيف دعواته تلك مستشهداً باحتياجات الأمن القومي للولايات المتّحدة، بغضّ النظر عن أنّ مطلبه لا يتمتّع بالقانونية ومن دون تقديم أيّ دليل. ويهدّد بفرض تعريفات جمركية "رفيعة المستوى" على الدنمارك إذا رفضت التعاون، وألمح إلى عدم استبعاد خيار العمل العسكري للاستيلاء على غرينلاند وكذلك على قناة بنما، ممّا دفع بفرنسا وألمانيا إلى إصدار تحذيرات حادّة عالية النبرة.
وقد قوبلت تصريحات الرئيس المنتخب بمزيج من الغضب والارتباك والرفض، حيث وصف وزير الخارجية المنتهية ولايته أنتوني بلينكين الفكرة "من الواضح أنّها لن تحدث". ولكنّ بعض المسؤولين السابقين في إدارة ترامب قالوا إنّ اهتمام الرئيس الأميركي بغرينلاند يجب أن يُفهم في سياق إعادة توجيه أوسع للسياسة الخارجية الأميركية نحو الدفاع في نصف الكرة الأرضية. كذلك، قام نجل الرئيس المنتخب دونالد ترامب جونيور بزيارة غرينلاند، على الرغم من أنّ المسؤولين في الجزيرة أوضحوا أنّ الزيارة ليست رسمية.
وقال ألكسندر غراي، رئيس الأركان السابق في مجلس الأمن القومي لإدارة ترامب الأولى: "أعتقد أنّ الناس بحاجة إلى البدء في التعامل مع هذا الأمر بجدّية بالغة باعتباره إعادة توجيه استراتيجي، وليس نوعاً من الطموح والغرور. ويضيف غراي، الذي أصبح زميلاً بارزاً في مجلس السياسة الخارجية الأميركية أنّ "هذه طريقة أكثر تقليدية لتحديد مصالحنا الأمنية الأساسية".
ترامب ليس أوّل مسؤول أميركي يصبح مهووساً بالإمكانات الاستراتيجية لجزيرة غرينلاند. في الماضي أعرب وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس أبراهام لينكولن، ويليام سيوارد عن اهتمامه بشراء غرينلاند. كذلك اقترح الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان الأمر نفسه خلال مفاوضات سرية في الفترة التي سبقت الحرب الباردة. كذلك الولايات المتّحدة احتلّت غرينلاند خلال الحرب العالمية الثانية، حين احتلّت ألمانيا الدنمارك، وما زالت تحتفظ بقاعدة عسكرية كبيرة على الجزيرة، باعتبارها نقطة محورية غير عادية تقع في قلب العديد من التحدّيات الجيوسياسية الأكثر إلحاحاً في العالم اليوم مثل تغيّر المناخ، والتنافس على الموارد الحيوية، وسلاسل التوريد التجارية، إضافة إلى أنّ موقع الجزيرة يجعلها جزءاً أساسياً من نظام الإنذار المبكر للجيش الأميركي من الصواريخ الباليستية.
تقول مديرة "معهد ويلسون القطبي" ريبيكا بينكوس، إنّ اهتمام ترامب يشير إلى "اعتراف بالأهمّية الاستراتيجية المتزايدة لغرينلاند وموقعها في شمال الأطلسي كحجر رئيسي بين أميركا الشمالية وأوروبا". ومن ناحية، تعدّ الجزيرة موطناً لرواسب وفيرة وغير مطوّرة من المعادن النادرة القوية المستخدمة في أنظمة الأسلحة المتقدمة والعديد من تقنيّات الطاقة النظيفة، على الرغم من أنّ الخبراء يؤكّدون أنّ هناك العديد من التحدّيات التي لا تزال تواجه الاستخراج والإنتاج. وعلى نطاق أوسع، وجدت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في عام 2009 أنّ منطقة القطب الشمالي، قد تحتوي على نحو 30% من الغاز، و13% من النفط غير المكتشف في العالم.
يبرز القطب الشمالي الآن كساحة رئيسية للمنافسة الجيوسياسية العالمية، مع سعي روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما الاقتصادي والعسكري في المنطقة. وقد عمّقت القوتان مشاركتهما وتعاونهما، بدعم من عشرات كاسحات الجليد والاستثمارات الضخمة. وفي السنوات الأخيرة، أثارت محاولة صينية لتمويل مطارات غرينلاند حالة من الذعر في واشنطن، التي سارعت إلى التصدّي للخطّة. ولكنّ مؤسس "معهد القطب الشمالي" مالتي همبرت يقول، إنّ واشنطن" تحاول بالتأكيد اللحاق بالركب الصيني والروسي، والولايات المتّحدة لا تؤدي دور اللاعب رقم واحد في القطب الشمالي كما تفعل في الساحات الدولية الأخرى، وجلّ الأمر أنّ واشنطن تريد أن تحجز مقعداً لها على الطاولة".
كانت الجزيرة لعدّة قرون جزءاً من الدنمارك العضو في حلف "الناتو"، ولا تزال كوبنهاغن تساهم بثلثي إيرادات ميزانية غرينلاند، مع أنّ الجزيرة تتمتع بالحكم الذاتي ولديها برلمانها الخاصّ، لكنّ الحكومة الدنماركية تضطلع بمسؤولية الدفاع والسياسة الخارجية. وفي السنوات الأخيرة، شهدت الجزيرة التي يبلغ عدد سكّانها نحو 57000 نسمة، على حركة استقلال متنامية وسط توتّرات مع الحكومة الدنماركية. وأعرب بعض المسؤولين في غرينلاند عن أملهم في أن تصبح الجزيرة في نهاية المطاف دولة مستقلّة.
"نحن ندرك تماماً أنّ غرينلاند لديها طموحاتها الخاصّة"، قال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن في أثناء حديثه للصحافة في الأسبوع الماضي: "إِذا تحقّقت هذه الطموحات، ستصبح غرينلاند مستقلّة، وإن لم يكن لديها طموح لتصبح جزءاً من الولايات المتّحدة". وفي تغريدة أخرى، قال مستشار الأمن القومي السابق لترامب روبرت أوبراين، إنّ "الدنمارك غير قادرة على حماية غرينلاند من المنافسين، وهذا أمر بالغ الأهمّية للدفاع عن الولايات المتّحدة". وأضاف: "نحن نحب الدنماركيين، ولكنّ بضع طائرات بدون طيّار وفرق الزلّاجات وسفن التفتيش ليست كافية للدفاع عن غرينلاند ضدّ الروس والصينيين، لهذا سيتعين على الولايات المتّحدة التدخل".
وفي مقال رأي اقترح غراي أن تعرض واشنطن على غرينلاند اتّفاقية الارتباط الحرّ "كوفا"، التي أبرمت مثلها الولايات المتحدة منذ فترة مع جزر ميكرونيسيا وبالاو ومارشال. وكتب غراي أنّه بموجب اتّفاقية الارتباط الحرّ، تتمتّع الدول الجزرية "بالاستقلال الكامل"، لكنّ واشنطن تعرض عليها التزامات دفاعية ودعماً اقتصادياً في مقابل الاستخدام العسكري. وأضاف أنّ مثل هذه الصفقة من شأنها أن تحافظ على "سيادة غرينلاند مع حمايتها من الجهات الفاعلة".
مع ذلك، بالنسبة لغرينلاند والدنمارك، قد تكون هذه القضية غير قابلة للنقاش. قال رئيس وزراء الجزيرة موتي بي إيجيدي في بيان نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، "غرينلاند ملك لشعبها. مستقبلنا وكفاحنا من أجل الاستقلال هو عملنا ولنا وحدنا". وفي عام 2019، تسبّب اقتراح ترامب لشراء غرينلاند في حدوث توتّرات مع الدنمارك، ممّا دفع ترامب إلى إلغاء رحلة مخطّطة إلى كوبنهاغن بعد أن رفض رئيس الوزراء الدنماركي مبادراته بشأن الجزيرة. ثمّ أصلح الزعيمان الأمور بعد فترة وجيزة، وأعادت إدارة ترامب إنشاء قنصلية أميركية في الجزيرة.
لكنّ تصريحات ترامب الأخيرة أثارت المزيد من الغضب، حيث عدّلت الدنمارك شعار النبالة الخاصّ بها لتبرز غرينلاند أكثر، كرد على ذلك.