طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
مع تسلُّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة لا تبدو الأمور واضحة في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فقبل دخوله إلى البيت الأبيض قبل أيام كان الأفرقاء اللبنانيون والإقليميون يعملون كل على طريقته دافعا في اتجاه تغيير موازين القوى الداخلية والإقليمية عسى أن يأتي الأمر مع وصول ترامب في إطار التعامل معهم كأمر واقع قائم لا يمكن تغييره.
لكن المتغيرات التي حصلت قبل ترامب، تقول أوساط ديبلوماسية، جاءت على حساب الدور الإيراني ولمصلحة الدورين الإسرائيلي والتركي فيما الحضور العربي قبل هذه المتغيرات وبعدها لا يُعدُّ ضمن موازين القوى الأساسية السائدة في المنطقة والتي لا تقيم أي وزن للدور العربي حيث لا تأثير له في أي شيء.
لكن في المقابل، تؤكد الأوساط الديبلوماسية، أن الجانب الإيراني الذي يتزعم محور المقاومة قد امتصَّ الصدمات والضربات التي تلقاها ساعيا إلى استعادة زمام المبادرة ومحاولة الهجوم وإعادة تفعيل دوره، وكان من إرهاصات هذا الأمر ما بدأ يحصل في لبنان عموما وفي منطقة الجنوب الآن من مقاومة شعبية للاحتلال الإسرائيلي للمنطقة الحدودية تمثلت بزحف شعبي إلى تلك المنطقة التي احتلتها إسرائيل في الحرب الأخيرة ضاغطا على قوات الاحتلال للانسحاب منها ما دل على عودة محور المقاومة وخطابه إلى حيويتهما، وعلى سبيل المثال أن حزب الله الذي يشكل أحد أركان المحور بدأ بدوره في استعادة المبادرة لأن الحراك الشعبي في الجنوب قلب المشهد وكل ما كان يُخَطَط له.
أما على الصعيد السياسي الداخلي فقد بدأ حزب الله يبادر رغم الحملات السياسية القاسية عليه والضربات الموجعة التي تلقاها وكان منها فرض رئيس حكومة لم يكن يؤيده، فحول ما مُني به من خسارات وما تعرض له من تهديدات إلى فرص.
وتعتبر الأوساط الديبلوماسية أن ما حصل في الجنوب أدى إلى انقلاب المشهد وقد انطبق الأمر على أماكن أخرى لمحور المقاومة ووجوده فيه من مثل وضع اليمن الهجومي المتقدم، وكذلك التعاطي ببراغماتية مع الوضع السوري الجديد، عبر تحييد العاملين الشيعي والعلوي عما جرى.
كلُّ ذلك ، تضيف الأوساط الديبلوماسية يمهد لعودة قوية لمحور المقاومة في المرحلة المقبلة بعد إعادة تجميع الصفوف وامتصاص الضربات تمهيدا لمرحلة الهجوم المضاد، حتى إن ما يشهده قطاع غزة والضفة الغربية يندرج تحت هذا العنوان ليبدو عمليا أن كل الساحات خرجت من حال الإرباك إلى البدء باستعادة المبادرة.
وتتطرق الأوساط الديبلوماسية إلى الوضع الحكومي اللبناني فتشير إلى أن الجو كان قبل أسبوع يدل إلى أن هناك عراقيل أساسية تعوق ولادة الحكومة وقد تقود الرئيس المكلف نواف سلام إلى الاعتذار لعدم تمكنه من التأليف نتيجة الضغوط التي يتعرض لها من الأطراف التي رعت تكليفه ولكن المستجدات تدل على أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون وسلام وحزب الله وحركة "أمل" قد وضعوا اللمسات الأخيرة على المشاركة في الحكومة التي تكفل الثقة، لكن بدأت تظهر عراقيل أخرى من جانب الطرف الآخر، ما يشكل مسألة مخيفة في اعتبار أنك لا تستطيع الركون إلى المواقف السياسية المحلية التي قد تستدرج إنزال حكومة بـ "الباراشوت" من رعاة الوضع الخارجيين على الجميع مستثنين من التمثيل فيها ولا يمكنهم الوقوف في طريقها أو إسقاطها، وهناك من يتخوف من أن يكون المطلوب مراكمة التعقيدات في وجه الرئيس المكلف للوصول إلى حكومة "الباراشوت" هذه.
غير أن "الثنائي الشيعي" يعتبر أن المسألة باتت محلولة من طرفه وأنه يري أن تولد الحكومة اليوم قبل الغد.
ويقول مصدر مطلع على موقف "الثنائي" لـ "الأفضل نيوز"، إن الكرة في شأن التأليف الحكومي هي في ملعب الآخرين وليست في ملعبه لأنه قطع شوطا طويلا في التفاهم حول مشاركته في الحكومة مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
ويضيف، إن الفريق الآخر يبدو أنه ليس مرتاحا إلى هذا التفاهم ولا إلى ما هو معروض عليه من حصص وزارية، ولذلك ينبري إلى رمي كرة تعثُّر التأليف على "الثنائي" الذي تسود علاقة جيدة بينه وبين رئيس الجمهورية في الوقت الذي يعمل على بلورة تفاهم عريض مع الرئيس المكلف.
ويتهم المصدر فريق المعارضة بأنه "يريد من الحملة التي يشنها على الثنائي أن يحول الأنظار عما يجري في الجنوب من زحف شعبي لتحرير المنطقة الحدودية والضغط على الإسرائيليين للانسحاب منها والتي يعيثون فيها يوميا قتلا وتفجيرا وتدميرا، إذ إن هذا الزحف قلب المشهد بكامله.
ويقول المصدر، إن ما حصل من مسيرات في بعض شوارع بيروت وضواحيها لم يكن بقرار لـ "الثنائي"، وإنما كان نتيجة اندفاعة أناس تأثروا بالمشهد الجنوبي، ودخل في صفوفهم من أرادوا تشويه هذا المشهد بممارسات استفزازية وشعارات مذهبية علما أن حركة "أمل" أصدرت تعميما يحظر على عناصرها أو كوادرها المشاركة في أي مسيرات من هذا النوع وإطلاق شعارات طائفية أو توجيه إساءات إلى البيئات اللبنانية وخصوصياتها ومناطقها تحت طائلة محاسبة كل من لا يلتزم بهذا التعميم".
ويشير المصدر إلى أنه "لا يمكن لحركة "أمل" أو حزب الله القبول بما حصل في شوارع بيروت لأنه يسيء إلى ذلك الإنجاز والانتصار في الجنوب الذي شكل انقلابا كبيرا في مواجهة الحملات التي يتعرضان لها في الداخل والخارج".