كمال ذبيان - خاصّ الأفضل نيوز
ما يُرسم لسوريا وللمنطقة هو ما كان سيطبق بعد الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء على السلطنة العثمانية، وإنهاء وجودها الذي دام نحو أكثر من خمسمائة عام، حكمت فيها الأمبراطورية التركية، فحلَّ البريطانيون والفرنسيون، وتقاسموا المشرق العربي في العام ١٩١٦، بما عرف باتفاقية سايكس - بيكو بينهما، فكانت سوريا ولبنان من حصة فرنسا والعراق وفلسطين والأردن من حصة بريطانيا.
وهذا التَّقاسم الاستعماري، ولدت منه خارطة لبلاد الشام وأخرى لبلاد الرافدين، فتمَّ تقسيم سوريا إلى أربع دويلات مذهبية، للسُّنّة في حلب وأخرى في دمشق، وللعلويين في الساحل السوري والدروز في جبل حوران جنوب سوريا، وكانت خارطة لبنان، أن ينضمّ الشمال والبقاع وأقضية أخرى إلى سوريا، على أن يكون لجبل لبنان، حكم ذاتي كما كان في زمن المتصرفية، إلا أن الفرنسيين عدّلوا في خارطتهم للبنان وأنشأوا "دولة لبنان الكبير" في أول أيلول ١٩٢٠.
وظهرت في سوريا حالات اعتراض على تقسيمها، تحوّلت إلى "الثَّورة السُّورية الكبرى" التي ضمَّت سلطان باشا الأطرش، وابراهيم هنانو، وخاض وزير الدفاع السُّوري يوسف العظمة معركة ميسلون واستشهد فيها، ففشل المشروع الفرنسي في تقسيم سوريا وانتصرت الثَّورة السُّورية، ونشأت سوريا موحدة، التي كانت ستكون مع لبنان وفلسطين والأردن وحدة جغرافية - اقتصادية، لكن الاستعمار نكث بوعده للشَّريف حسين الذي ساعد الحلفاء في الحرب على السَّلطنة العثمانية، لتقوم الوحدة.
وما رسم من دويلات طائفيّة ومذهبيّة قبل نحو أكثر من قرن، تعاد خارطتها من جديد، وهو ما بشّر به اليهودي الأميركي برنارد لويس في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما أعلن عن خارطة للعالم العربي تقوم كياناتها السِّياسيّة على أساس طائفيٍّ ومذهبيٍّ وعرقيٍّ.
فمع اندلاع الأحداث في سوريا في آذار ٢٠١١، بدأ الحديث عن خارطة جديدة لها، يتم تقسيمها على أساس طائفيٍّ ومذهبيٍّ وعرقيٍّ، وهو ما حصل في لبنان مع اندلاع الحرب الأهلية فيه تحت عناوين وأسباب عدة، فطرحت له خرائط تقسيميّة، وقامت فيه "كانتونات".
فتقسيم لبنان فشل، ودعمه العدوُّ الإسرائيليُّ الذي ساند القوى الانعزاليّة، وشجَّع على حروب طائفيّة ومذهبيّة، واقتطع منطقة "جنوب الليطاني"، وأسماها "الحزام الأمني" أو "الشَّريط الحدودي" في آذار ١٩٧٨، ثمَّ توسَّع إلى بيروت صيف ١٩٨٢، ليقيم سلطة تابعة له توقِّع معاهدة "سلام" معه.
والسيناريو اللُّبناني، تجري محاولة لتكراره في سوريا التي وبعد سقوط نظامها البعثي برئاسة بشار الأسد، ووصول "الإسلاميين" إلى السُّلطة بقيادة "هيئة تحرير الشَّام"، التي يرأسها أحمد الشَّرع المعروف بـ "الجولاني" والذي ينتمي إلى تنظيم "القاعدة"، فشعرت الأقلِّيات في سوريا بالخطر على وجودها فرفض الدروز تسليم سلاحهم، في محافظة السويداء، ودخلت إسرائيل على خط حمايتهم، فأعلن رئيس حكومة العدوِّ الإسرائيليِّ بنيامين نتنياهو حماية الدروز، التي رفضها مشايخ العقل للطائفة الدُّرزيَّة ومعهم فعاليات في لبنان، فأعلن كلّ من وليد جنبلاط وطلال أرسلان إدانتهما للمشروع الإسرائيليِّ، ورفضها تقسيم سوريا الذي سينعكس على لبنان.
ولم يكتف العدوُّ الإسرائيليُّ بذلك، بل أعلن دعمه للأكراد في معركتهم ضدَّ تركيا، التي لها النُّفوذ الأقوى في سوريا، كما أرسل إلى العلويين يدعوهم إلى طلب الحماية، التي عبرها تتوسع إسرائيل وهذا ما فعلته في سوريا باحتلال جنوبها وستتمدَّد إلى شمالها وشرقها، فتكون خارطة تقسيمها قد استعيدت بما يسمَّى سايكس - بيكو جديدة، وهذه المرَّة باتفاق دونالد ترامب - نتنياهو حيث يعمل الرئيس الأميركي على شرق أوسط مزدهر.