عماد مرمل- خاصّ الأفضل نيوز
للمرة الأولى منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، تعرّضت الضاحية الجنوبية لعدوان إسرائيلي جديد في وضح النهار، أعاد استحضار صور الحرب الاخيرة وأهوالها.
ويعكس هذا الاعتداء مجددًا إمعان العدو في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701 وسط تغطية كاملة من قبل واشنطن لهذا الانتهاك الصارخ، ترجمتها مواقف الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي بررت في إطلالاتها الإعلامية الأخيرة اعتداءات الكيان على الأراضي اللبنانية، حيث اعتبرت أن "إسرائيل" لا تنتهك اتفاق وقف النار ولها الحق في الرد على الصواريخ، مشيرة الى أن "على الحكومة اللبنانية وقف إطلاق الصواريخ من أراضيها، وعلى لبنان تحمل مسؤولياته بدلا من إلقاء اللوم على "إسرائيل"، ولافتة الى أن ما يفعله الجيش غير كاف.
وهكذا ظهرت أورتاغوس وكانها توأم سياسي بل سيامي للعدو الإسرائيلي، من دون مراعاة الحد الأدنى، ولو شكليًا، من متطلبات دورها الدبلوماسي، خصوصًا أن واشنطن تترأس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، وهو موقع يتطلب منها أن تضبط إيقاع انحيازها المعروف الى تل أبيب، لا أن تتصرف على قاعدة "حاميها حراميها."
ويستغل الكيان موقف إدارة دونالد ترامب للتمادي في الاعتداء على لبنان بذريعة الصواريخ اللقيطة التي نفى حزب الله مسؤوليته عنها، وسط تطابق في الأجندتين الأميركية والإسرائيلية على الساحة اللبنانية، وتحديدًا حول أمرين أساسيين: نزع سلاح حزب الله بالكامل وجر لبنان إلى التطبيع.
وما يعكس حقيقة النيات المبيتة هو أن الرد الإسرائيلي على لبنان لا يتناسب أصلا مع طبيعة الاستهداف الذي تعرضت له المطلة في المرة الأولى وكريات شمونة في المرة الثانية، إذ أن الصواريخ المستعملة هي متواضعة، ومنصاتها بدائية، وجرى اعتراض بعضها قبل وصوله الى المستوطنتين فيما سقط البعض الآخر في الجانب اللبناني، وبالتالي فإن حجم الانتقام الإسرائيلي غير متناسب مع "العارض الأمني" الهزيل الذي تعرض له الجليل، ما يؤشر بوضوح الى أن هناك خططا عدوانية ومبرمجة سلفا ينفذها العدو في لبنان، عبر استغلال حوادث إطلاق الصواريخ التي لا تصيبه بل تصب في مصلحته.
ومن الواضح أن الغارة الأخيرة على الضاحية أتت في سياق استخدام الصواريخ "المكتومة القيد" كذريعة لمحاولة تكريس معادلة بيروت مقابل الجليل التي أطلقها وزير الحرب يسرائيل كاتس لإرضاء المستوطنين.
وبهذا المعنى،فإن رسالة العدوان على الضاحية كانت موجهة بالدرجة الأولى الى المستوطنين في شمال فلسطين، سعيًا الى طمأنتهم وكسب ثقتهم بعدما امتنع أغلبهم حتى الآن عن العودة إلى مستعمراتهم بسبب مخاوفهم المستمرة من تكرار سيناريو 7 أوكتوبر وعدم ثقتهم في إجراءات حكومتهم وجيشهم، بل إن ممثليهم لا يتورعون عن مهاجمة نتتياهو ووزير حربه واتهامهما بإهمالهم، وبالتالي فإن رئيس وزراء العدو أراد أن يصل صدى قصف حي الجاموس الى مستعمرات الجليل لاستمالة النازحين منها وتشجيعهم على العودة إليها.
أما الرسالة الثانية فكانت موجهة الى الدولة اللبنانية في اتجاهين، الأول محاولة إظهار الجيش غير قادر على تأدية دوره في الجنوب لتبرير استمرار احتلال التلال الخمس ومواصلة الاعتداءات على الداخل اللبناني، والثاني السعي الى استدراج الدولة تحت الضغط نحو مفاوضات تتجاوز الإطار التقني الى الإطار السياسي تمهيدًا للوصول إلى مرحلة التطبيع.
ولكن التجربة تثبت أن المشاريع الإسرائيلية التي اخفقت مرارا في لبنان بفعل كل أشكال المقاومة، لن يكون مصيرها مختلفا هذه المرة بالتأكيد، سواء طال الوقت أم قصر.