لينا شعشوع – خاصّ الأفضل نيوز
يواجه سكّان البقاع أزمة كهرباء غير مسبوقة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، حتى بات الانقطاع التامّ للكهرباء جزءًا من حياتهم اليومية. وفيما تحوّلت إلى حقّ بديهي في معظم دول العالم، ما زالت مدن وبلدات البقاع غارقة في ظلامٍ فرضته سياسة الإهمال والتهميش، ما انعكس سلبًا على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
سياسة تقنين جائرة
رغم الوعود المتكررة بتحسين التغذية الكهربائية، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى العكس. التقنين القاسي يصل أحيانًا إلى انقطاع تام، فيما تحصل مناطق أخرى على حصص أوفر من الكهرباء ما يعكس خللًا واضحًا في آلية التوزيع.
وفي حديثٍ خاص للأفضل نيوز أكد رئيس مصلحة معمل عبد العال وسد القرعون المهندس محمود إبراهيم أن أزمة الكهرباء في البقاع ليست وليدة نقص الإنتاج فحسب، بل هي نتيجة سياسات توزيع غير عادلة مشيرا أن هناك مناطق تحصل على حصص أكبر من التغذية، فيما يبقى البقاع آخر الأولويات، رغم أنه يضمّ نسبةً كبيرةً من السكان الذين يعتمدون على الكهرباء في أعمالهم اليومية.
ويضيف إبراهيم، أن "المفارقة في بعض محطات التوليد الأساسية في لبنان تقع في مناطق قريبة من البقاع، ورغم ذلك، لا يحصل سكّانه إلا على الفتات. وفي جولة للأفضل نيوز التقينا "أبو محمد" من بلدة القرعون تحدث عن المعاناة اليومية الذي يعيشها فهو ينتظر الكهرباء وكأنها حلم بعيد المنال، ويحلّ الليل محملًا بالعتمة واليأس. حتى المولدات التي كانت حلًا مؤقتًا أصبحت عبئًا ثقيلًا، فأسعار الاشتراكات ترتفع بلا ضابط، ومعها تتلاشى قدرتهم على تحمّل المزيد.
المولدات الخاصة.. حلّ مكلف وجريمة رسمية
مع تراجع التغذية الرسمية، يجد أهالي البقاع أنفسهم رهينة قطاع المولدات الخاصة، الذي بات شبه بديل إلزامي تفرضه الدولة دون اعتراف رسمي فأسعار الاشتراكات باتت تفوق قدرة معظم العائلات، ما أجبر الكثيرين على تقنين استهلاكهم إلى الحدّ الأدنى، فيما حُرم آخرون من الكهرباء كليًا لعجزهم عن تحمل التكاليف فيصل الى٥٠٠$ كل شهر.
وفي السياق، أكّد رئيس بلدية سحمر أيمن حرب للأفضل نيوز أن “غياب الرقابة الفعلية على أصحاب المولدات يجعلهم يفرضون الأسعار التي يريدونها مضيفا التعرفة الرسمية تصدر شهريًا، لكن تطبيقها شبه معدوم، لأن الدولة غائبة تمامًا عن المشهد".
وأشار حرب إلى أن “أزمة الكهرباء لا تقتصر على غلاء المولدات، بل تشمل أيضًا عدم توفّر المحروقات بأسعار معقولة، ما يزيد من صعوبة تشغيل هذه المولدات، ويضاعف معاناة الأهالي ".
الاقتصاد في قبضة العتمة
الأزمة لم تقتصر على المنازل، بل امتدّت إلى القطاعات الاقتصادية، حيث تكبّدت المصانع والمحالّ التجارية خسائر فادحة بسبب انقطاع الكهرباء، مما يرفع من تكلفة الإنتاج بشكلٍ كبير، ما يدفع المصانع إلى تقليل إنتاجها أو حتى الإغلاق نهائيًا.
أما بالنسبة للقطاع الزراعي، الذي يعتمد بشكلٍ أساس على الكهرباء لتشغيل مضخات الري، التبريد، والتخزين، فمع تفاقم هذه الأزمة يمكن للمزارعين الاتجاه نحو أنظمة الطاقة الشمسية أو الغاز الحيوي المستخرج من المخلفات الزراعية لتشغيل معداتهم.
كما أن السياحة في البقاع تزدهر بالمطاعم، المزارع السياحية، والفنادق، أي أنه يمكن استغلال التوجه نحو الطاقة البديلة كعامل جذب للسياح، من خلال تحويل الفنادق والمزارع السياحية إلى وجهات تعتمد على الطاقة النظيفة، مما يعزز صورة المنطقة كمركز للسياحة المستدامة. بالإضافة الى دمج المنتجات الزراعية المحلية في العروض السياحية لتشجيع السياحة الريفية.
ولدى سؤاله عن الحلول الممكنة، شدّد خبير الطاقة محمود ابراهيم على أن المشكلة ليست مستعصية، لكنها تحتاج إلى قرارات جريئة وإرادة سياسية حقيقية، إذ يجب إعادة النظر في توزيع الكهرباء بين المناطق، بحيث تحصل كل منطقة على حصّتها العادلة، وفقًا لاحتياجاتها الحقيقية، وليس بناءً على اعتبارات سياسية أو مناطقية.
وأضاف إبراهيم أن لبنان يتمتّع بإمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن لا يوجد استثمار فعلي في هذا المجال. أما إذا تمّ تنفيذ مشاريع حقيقية، فسيكون بالإمكان توفير طاقة مستدامة تقلّل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية المتهالكة.
وعلى صعيد السلطات المحلية فعلى البلديات والمجتمعات إدارة مواردها الكهربائية عبر مشاريع للطاقة، بدلًا من الاعتماد الكلّي على شبكة مركزية فاشلة.
أزمة الكهرباء في البقاع ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي انعكاس لسياسات التهميش والإهمال التي يعاني منها أبناء المنطقة لعقود. وبينما تستمرّ هذه المعاناة، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيأتي يومٌ تُنصف فيه الدولة البقاع وتعيد له حقّه المسلوب من النور؟ أم أن العتمة ستظلّ قدره المحتوم؟