د. علي دربج - خاص الأفضل نيوز
قد يكون مفهومًا للعالم أجمع، أن يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء الفائت حرب رسوم جمركية واسعة النطاق على معظم شركاء بلاده التجاريين. لكن جنون الرجل تجاوز كل الحدود لدرجة أن إجراءاته الواسعة النطاق شملت مجموعة جزر معزولة تسكنها بشكل رئيسي طيور البطريق، بالإضافة إلى أرخبيل نرويجي في المحيط المتجمد الشمالي يشتهر بدببته القطبية.
وتبعًا لذلك، وفور صدور قرارات ترامب، شهدت محركات البحث على الإنترنت بمختلف أنواعها ومسمياتها، إقبالًا واسعًا من قبل المواطنين على امتداد مساحة الكون، لاستكشاف طبيعة هذه الجزر وموقعها وأهميتها الاقتصادية، حيث احتلت أنتاركتيكا القارة القطبية الجنوبية ـــ الواقعة في أقصى جنوب الكرة الأرضية، وتحيط بها المياه المتجمدة للمحيط الجنوبي، وهي القارة الخامسة من حيث المساحة، وتُصنّف بأبرد وأجف القارات، حيث تغطيها الكتل الجليدية بشكل شبه كامل ـــ موقع الصدارة، إلى جانب مجموعة أخرى من المناطق النائية الموحشة.
أما النتائج فكانت صادمة، فغالبية هذه الجزر خالية من السكان، ولم تشهد أي تبادل تجاري مع الولايات المتحدة العام الماضي، وفقًا لأحدث الأرقام الأمريكية المتاحة. وبالتالي هذا يجعل الرسوم الجمركية البالغة 10% التي فُرضت عليها في 2 نيسان الجاري غير ذات جدوى، فضلًا عن عدم وجود أي تأثير لها لا سلبًا أو إيجابًا على الاقتصاد الأمريكي، بل إن إدراجها أثار حيرة واستغراب الخبراء الاقتصاديين والسياسيين في الولايات المتحدة.
وبناءً على ذلك إليكم بعض الأماكن التي تواجه زيادات في التعريفات الجمركية، وفيها عدد قليل من السكان أو غير مأهولة كليًا، إضافة إلى معلومات مصدرها مكتب الإحصاء الأمريكي، وكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية، وأبرزها:
أولاً: جزيرة نورفولك
تُعتبر هذه الجزيرة الصغيرة إقليمًا أستراليًا نائيًا يبعد حوالي 1000 ميل (160.9 كيلومتر.) عن سيدني، ومع ذلك فُرضت عليها تعرفة جمركية بلغت نسبتها 29%، مقارنةً بـ 10% فقط على البر الرئيسي الأسترالي - وهي خطوة وجدها رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز مُحيّرة، خصوصًا وأن السياحة هي القطاع الرئيسي في جزيرة نورفولك، ومعظم زوارها من الأستراليين.
إشارة إلى أن جزيرة نورفولك الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، كانت مستعمرة بريطانية جزائية (أي تُستخدم لإرسال السجناء) حتى عام 1855، وتُعرف سابقًا باسم "جحيم المحيط الهادئ". لكن حاليًا تشتهر الجزيرة بشواطئها البكر وغابات الصنوبر المهيبة. وبينما يبلغ عدد سكانها 2188 مواطنًا، قُدرت قيمة واردات الولايات المتحدة منها في عام 2024، بحوالي 200 ألف دولار أمريكي.
ثانيًا :جزيرة هيرد وجزر ماكدونالد
تُعرف هذه الجزر (إقليم خارجي تابع لأستراليا) بأنها قاحلة غير مأهولة بالسكان، وهي تقع بين مدغشقر والقارة القطبية الجنوبية، وتبعد حوالي 2500 ميل (4000 كيلومتر) عن البر الرئيسي الأسترالي.
وصفت منظمة اليونسكو هذه الجزر بأنها "واحدة من أندر النظم البيئية الجزرية البكر في العالم"، لذا أدرجتها ضمن قائمة التراث العالمي عام 1977. ومع أن أبرز سكانها: الطيور، خصوصًا البطريق، والفقمات، فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية عليها بنسبة 10%، في حين أن قيمة سلعها المصدّرة إلى الولايات المتحدة في عام 2024 تساوي صفرًا.
ثالثًا: جبل طارق
ينتصب هذا الجبل في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة الأيبيرية، ويشترك بحدود برية مع إسبانيا. تهيمن على تضاريسه صخرة جبل طارق، التي يبلغ ارتفاعها حوالي 1400 قدم، أي ما يعادل ارتفاع مبنى إمباير ستيت في الولايات المتحدة (أحد أشهر ناطحات السحاب في العالم). ويُعد مضيق جبل طارق القريب، الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، أحد أهم ممرات الشحن في العالم.
يبلغ عدد سكان جبل طارق 29,683 نسمة، والمثير أنه لم ينجُ من ضريبة الرسوم الجمركية التي قُدرت بحوالي 10%، فيما استقرت قيمة وارداته إلى الولايات المتحدة في عام 2024 عند رقم 400,000 دولار أمريكي فقط.
رابعًا: سفالبارد و يان ماين
تشير الخرائط الجغرافية إلى أن سفالبارد هي أرخبيل نرويجي يقطنه حوالي 2,926 مواطنًا، ويضم مستوطنة روسية لتعدين الفحم. أما يان ماين فتُوصف بأنها جزيرة نائية في المحيط المتجمد الشمالي بالقرب من غرينلاند، تبلغ مساحتها ضعف مساحة واشنطن العاصمة تقريبًا وتمتاز بمناخها الضبابي والعاصف، لذلك لا يوجد فيها سكان دائمون، لكنها تستضيف 18 موظفًا يعملون في محطة الأرصاد الجوية ومطارها.
الصادم في الأمر أنها لم تُورد أي منتج أو سلعة إلى الولايات المتحدة في عام 2024. وبالرغم من ذلك، نالت حصتها من ضرائب ترامب بنسبة 10%.
خامسًا: ريونيون
يُعدّ ريونيون إقليمًا تابعًا لفرنسا في المحيط الهندي. استوطنه المستعمرون الفرنسيون لأول مرة في القرن السابع عشر، حيث جلبوا إليه عبيدًا من جميع أنحاء العالم. وتُعد الجزيرة الآن، موطنًا لسكان متنوعين من أصول مختلطة، من أفارقة وأوروبيين وجنوب آسيويين. يقع على الجزيرة بركان بيتون دو لا فورنيز، أحد أنشط البراكين في العالم.
طالت رسوم ترامب هذا الإقليم الفرنسي بنسبة عالية جدًا وصلت إلى 37%، مع أن عدد سكانها يُقدر بحوالي 890,000. أما وارداتها إلى الولايات المتحدة في عام 2024، فبلغت 44.1 مليون دولار.
في المحصّلة:
إذا كانت ضرائب ترامب طالت جزرًا خالية إلا من الحيوانات والطيور، فمن غير المستبعد أن يؤدي هذيان هذا الرجل إلى فرض ضرائب مستقبلًا على الصحارى وأعماق البحار وممالك الأسماك والحشرات والضواري في البراري.