د. رائد المصري - خاصّ الأفضل نيو
انتقلت المفاوضات بين إيران والولايات المُتّحدة، بما يُمكنُ البناء عليه للتفاؤل لكن ليس بالتام، إذ إن تقاطعَ المصالح الإيرانيّة مع واشنطن والرئيس ترامب بالتحديد، قد يجعل العمل مؤكَّداً على ضرورة إنجاز الاتّفاقِ النّووي، كونه حاجةً لكِلا الطرفين، من دون النَّظر بعد إلى القدرة التي يمتلكها رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، على تخريب الاتّفاقِ وقلبِ الطّاولة بين طهران وواشنطن، ليبقى محصوراً في الإطار السياسي والتّقني، ويبدأ الاختبار الجدّيّ للمفاوضات النّوويّة الذي سيشهدُ اجتماعَيْن، الأوّل على مستوى الخبراء النوويّين وخبراء العقوبات، والثّاني على مستوى سياسي، بين مبعوث الرّئيس الأميركيّ لشؤون الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف، ووزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقجي.
كلا الطرفين أميركا وإيران، يعتبران أنه ليس لديهما ترف الوقت للمناورة والتحايل، إذ إن ترامب يعرف أنّ إيران بحاجةٍ إلى اتّفاقٍ يحمي نظامها، ويُخفّف من العقوبات القابضة على اقتصادها بإحكام، حيث ستكون المحادثات التقنيّة أول اختبار حقيقي بين وفدَيْ البلدين، وتفيد المعلومات التي حصلت عليها "الأفضل نيوز"، وبحسب ما يؤكده مسؤول في البيت الأبيض، بأن واشنطن جادّةٌ في التّوصّل إلى اتّفاقٍ مع إيران، شريطة عدم تكرار تجربة اتّفاق 2015، وبأن يكونَ مُحصّناً داخليًّا في واشنطن وطهران، وإقليميًّا وهو الأهم، عبر مراعاة مخاوف حلفاء واشنطن الإقليميّين، ودول الخليج العربي وكذلك إسرائيل، ففي حال توصَّلَ الوفدان التقنيّان إلى حلول مُتقدّمة، يعني أن ترامب سيمضي قدماً وبخطى واثقة في زيارته إلى المنطقة منتصف الشهر المقبل، وسيعزِّز وضعه قبل لقائه نظيره الرّوسيّ فلاديمير بوتين، وكانَ الجانب الأميركيّ أبلغ الجانب الإيرانيّ عبر الوساطة العُمانيّة، أنّ ترامب جاهزٌ لزيارة سلطنة عُمان في جولته الشّرق أوسطيّة منتصف الشّهر المُقبل، من أجل الاحتفال بالاتّفاق إذا ما كان ميسَّراً.
هنا يظهر التخوُّف المُشترك، من الخشية في أن تُقدِم تل أبيب على عملٍ أمني لعرقلة التفاوض بين طهران وواشنطن، وهو ما ظهر في تغريدة عبّاس عراقجي بعد عودته من العاصمة الصّينيّة بكّين، وقبلها من العاصمة الرّوسيّة موسكو، بإشارته حول معلومات مؤكدة، وصلت إلى طهران عن إمكان تحرُّك نتنياهو ضدها، بمعزلٍ عن موقفِ ترامب، إذ إن الخطر في كلام نتنياهو، قوله إنّ إيران تشكّل تهديداً وجوديًّا لإسرائيل، وتهديداً مصيريًّا للبشريّة، وهذا فيه تباين واضح بالموقف مع إدارة ترامب، ليسَ فقط حول إيران، بل وغزّة أيضاً معها، وهو خطاب تصعيدي يتعلق بضرب إيران وباستكمال الحربِ على غزّة.
نتنياهو يُغرّد خارج سربِ ترامب اليوم، ويريد قلب الطّاولة قبل مجيئه إلى المنطقة، ويبدو كلامه موجَّهاً كذلك للداخل الإسرائيلي، في ظلّ أزمته الحكوميّة ومع المعارضة، حيث يتصدَّر الكباش بقوة بين الحكومة الإسرائيلية، وجهاز الشاباك(الأمن العام) ممثَّلاً برئيسه رونين بار، ومن خلفه داعميه من أحزاب المعارضة والقضاء وشخصيّات أمنيّة سابقة، مستفيدين من اتساع أرضيّة الاحتجاجات الشعبية ضدّ حكومة بنيامين نتنياهو، فصراع رئيس الشاباك مع الحكومة، دفع آلاف الإسرائيليين للتظاهر والنزول إلى الشارع، وتغذية جبهة التحريض ضدّ رونين بار، وهو ما دفع إلى شنّ بن غفير هجوماً تحريضيًّا عليه وصل حد القتل، وهذا ما عزَّز الانقسام والحديث عن الاغتيال السياسي في إسرائيل، وحتّى عن اندلاع حرب أهلية، عبر تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين والخبراء والمحلّلين وبصورة علنية في إسرائيل، مدفوعاً بحجم التحريض والمسار السياسي الذي تتّخذه حكومة نتنياهو في العديد من الملفّات.
وجود حالة غليان في المجتمع الإسرائيلي، دفع بزعيم المعارضة أفيغدور ليبرمان بعد شهادة رونين بار في المحكمة للقول بأنّه لا ينبغي أن يصل الأمر حدّ الاغتيال السياسي، معتبراً أن الخطاب عنيف، وكلّ ما رأيناه مثير للقلق، ويجب أن لا يرقى إلى مستوى الاغتيال السياسي، فإسرائيل اليوم تعيش تحت وطأة تحذيرات متصاعدة منذ عدة أشهر، ومن سيناريو محتمل تندلع فيه حرب أهليّة، لأسباب موضوعية تزداد يوماً بعد آخر، جعلت الحديث عنه أمراً واقعيًّا وعلنيًّا، وبحسب المراقبين فإنَّ الحديث عن الحرب الأهلية، يعود بمردِّه إلى قيام نتنياهو بتهشيم ما يسمونه بــ"النموذج الديمقراطي" الذي كرّسته إسرائيل، عبر الاستيلاء على السلطة وتفكيك استقلالية المؤسّستين العسكرية والأمنيّة وفرض سطوته عليهما، والانقلاب على القضاء عبر تحالفه مع اليمين المتطرّف.
تطورات خطيرة كشف عنها معهد سياسة الشعب اليهودي، عن تفاعل الإسرائيليين مع تصريحات الرئيس السابق للمحكمة العليا، الذي حذَّر من خطر الذهاب إلى حرب أهلية في إسرائيل، وظل الخطر الحقيقي موجودًا، يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين، أنّ منظومة الأمن التي فكَّكها نتنياهو وتعيين زُمر موالين وأزلام له، يحمل هدفاً بعيد المدى، يتمثّل في رغبته بتأجيل انتخابات الكنيست المقرّرة في 2026 إلى عام 2027، وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى إطالة أمد الحرب على غزة و لبنان، فتغيير قانون الانتخابات بحاجة إلى مصادقة ثلثيْ نواب الكنيست من أصل 120، وهو ما لا يتوافر له حاليّاً، ولهذا فإن إعلان حالة طوارئ أمنيّة، يحتاج إلى أن يكون رؤساء الأجهزة الأمنيّة موالين تماماً له ليعلنوها، وهذا ما يجعله بحاجة إلى تغيير رئيس الشاباك، بعد أن قام بتغيير قائد الأركان وتقييد دور المحكمة العليا.
نتنياهو أمام وقائع صعبة وخطيرة، فإذا اختُتمت المفاوضات الإيرانية_الأميركية بنجاح، يعني أن هناك تقاسماً جديداً للنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ستجعله عاجزاً في ظلِّ انعدام قدرته على مناورة جديدة، باستثناء امتلاكه الأدوات في إعلان حال الطوارئ، على مستوى جبهات القتال وعلى المستوى الداخلي، ومنها حدوث اغتيالات داخلية، مع استحضار سيناريو من التحريض لكن بمستوىً أعلى، بمثل ما حصل مع رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، بعد توقيعه لاتّفاق أوسلو، الذي أدّى في نهاية الأمر إلى اغتياله.