مارينا عندس_خاص الأفضل نيوز
منذ ثورة 17 تشرين، ونحنُ على يقين أنّ التغيير سيبدأ ولو لم يكن بكبسة زرّ، لكنّه على الأقل سيحصل رويدًا رويدًا. فهذه الثورة لم تكن أبدًا شعارات لإسقاط رئيسٍ ولا مسؤولٍ، بل كانت ثورة تطالب بإصلاحات جذرية من خلال كسر النمطية الذكورية بالدرجة الأولى. وثورة 17 تشرين، كانت لكسر الصمت والمطالبة بحقوقٍ عادلةٍ. واللافت فيها كان الحضور القوي للنساء في صفوفها الأمامية، ولذلك كان عنوانها "الثورة أنثى". وهذا الحضور النسوي، مهّد لما وصلنا إليه اليوم، دخول النساء إلى السلك الأمني لأول مرة في لبنان. فمؤسسة الدولة تحديدًا، غالبًا ما كان يُنظر إليها على أنّها مؤسسة تقليدية، أما اليوم الوضع اختلف مع هذا التغيير. ولأن البزّة العسكرية لم تعد حكرًا على الرجال فقط، بدأت المرأة تفرض حضورها لتصبح ما تريد أن تكونه.
رنا درويش تكسر الصورة النمطية وتؤكد حضور المرأة في السلك الأمني
في مشهدٍ غير مألوف أبدًا على الساحة اللبنانية، ظهرت الشابة رنا محمود درويش بزيّها العسكري، أثناء تأديتها لمهمتها ضمن فرقة خاصة لحماية الشخصيات في جهاز أمن الدوله، حيث تنتمي إليه منذ نحو ثلاث سنوات.
ظهور رنا، الواثقة من دورها ومكانها، لم يمر مرور الكرام، بل أثار موجة واسعة من التفاعل بحيث أنّ الأكثرية استقبل المشهد بترحيب وفخر. ظهرت الأخيرة برفقة النائب حليمة قعقور التي أكدت من خلال كلامها أنّها كانت مصرّة على تولي الشابة هذا المنصب دعمًا للنسوية وللوجود النسائي في كل المجالات وتحقيقًا للمساواة بين الجنسين. وما قدمته اليوم رنا، كان ايمانًا بقوتها وبعزيمتها، وتحليها بالصبر لتحقيق حلم الطفولة، والأهم من ذلك، رسم حضور المرأة في المؤسسات الرسمية اللبنانية، بعيداً عن التنميط والتمييز. قصّة رنا ليست يتيمة، ففي دولٍ عديدةٍ مثل فرنسا والولايات المتحدة، تؤدي النساء أدوارًا محورية في الأجهزة الأمنية، من الحرس الجمهوري الفرنسي إلى جهاز الخدمة السرية الأميركي، وهنّ في الصفوف الأمامية لحماية الرؤساء والشخصيات العليا. كذلك، شهدت دول عربية مثل الأردن والإمارات دخول النساء إلى مهام أمنية حساسة بعد تدريبات عالية المستوى، تؤكد أن الكفاءة لا تعرف جنسًا.
روسيا سمحت أولاً بانضمام النساء إلى القتال
دخلت المرأة السلك العسكري لأول مرة في العالم بطرقٍ مختلفةٍ عبر التاريخ، أولها كانت خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حين بدأت الدول بتجنيد النساء في وظائف غير قتالية مثل التمريض، والاتصالات، والدعم اللوجستي. مثلًا، روسيا كانت من أوائل الدول التي سمحت للنساء بالانضمام الفعلي إلى القتال، حيث شكّل الجيش الروسي عام 1917 وحدة مقاتلة نسائية تُعرف باسم "كتيبة الموت النسائية" بقيادة ماريا بوتشكاريفا (كانت فلاحة روسية قبل أن تتولى قيادة الحركة). وتعتبر هذه الوحدة العسكرية، أولى الوحدات القتالية النسائية في العالم.
في لبنان، دخلت المرأة السلك العسكري بشكلٍ رسميٍ لأول مرة عام 1983، عندما فتح الجيش اللبناني أبوابه للنساء في مجالات إدارية، طبية، وتقنية، ولكن من دون مهام قتالية في البداية. عام 1983: انضمت أول دفعة مجندات إلى الجيش، وكنّ يعملن في المكاتب، المستشفيات العسكرية، وأقسام الدعم أما في تسعينات القرن الماضي بدأن بالالتحاق بدورات في المدرسة الحربية كضابطات إداريات. عام 2000 تطور عملهن بشكل تدريجي، وبدأ السماح لهن بالمشاركة في مهام ميدانية تدريجية. عام 2020 التحقت النساء بدورات ضباط ميدانيين في المدرسة الحربية، مما يعني إمكان الوصول لمراكز قيادية قتالية.
أما اليوم تعمل المرأة اللبنانية في مختلف الأسلاك الأمنية، كالجيش، قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، وأمن الدولة، في مهام تشمل الإدارة، الاستخبارات، وحتى بعض المهمات القتالية واللوجستية.