كريستال النوّار - خاص الأفضل نيوز
"ماذا نأكل"؟ هذا السؤال يتكرّر مع كلّ فضيحة تهزّ موضوع السلامة الغذائيّة. من اللحوم والدّجاج الفاسد، هل أتى دور السّمك؟ يبدو الأمر كذلك، إذ كشفت وزارة الزراعة عن كارثة صحيّة تتمثّل ببيع أسماكٍ نافقة في الأسواق، مصدرها مزارع تقع على ضفاف نهر العاصي في منطقة الهرمل.
وجاء في بيان الوزارة أنّه "بعد ورود شكوى إلى وزارة الزراعة حول بيع أسماك نافقة في الأسواق مصدرها مزارع تقع على ضفاف نهر العاصي في منطقة الهرمل، تحرّكت الوزارة عبر مصلحة زراعة بعلبك - الهرمل بشكل فوري، حيث نفّذت فرقها المختصة مسحاً ميدانياً شاملاً لكلّ مزارع الأسماك في المنطقة. وخلال الكشف، جرى التحقّق من الوضع الصحي للأسماك والمزارع، وتمّ التواصل المباشر مع أصحاب المزارع لإبلاغهم بالإجراءات الصحيّة الواجب الالتزام بها لمكافحة هذه الظاهرة. كما تمّ توقيع تعهّدات خطيّة من قبل أصحاب العلاقة بالتقيّد الصارم بالشروط والمعايير الصحيّة. وفي موازاة ذلك، قامت وزارة الزراعة بتحويل الملفّ إلى الأجهزة المعنيّة الأخرى، كلّ ضمن نطاق اختصاصه، لضمان المتابعة الفاعلة وملاحقة المخالفين". وأكدت أن "المتابعة مستمرّة وحثيثة، نظراً لما تمثّله هذه القضية من خطورة على السلامة الغذائيّة والصحّة العامة، فضلاً عن حماية سمعة الإنتاج اللبناني في الأسواق المحلية والخارجية".
نعم، السّلامة الغذائيّة بخطر خصوصاً بعد هذه الفضيحة. ويُفسّر الأستاذ والباحث في علوم الغذاء د. حسين حسن مدى خطورة الأمر قائلاً: "الأسماك النافقة تبدأ بالتحلّل ما يؤدّ إلى تكاثر البكتيريا، مثل السالمونيلا وغيرها، والمشكلة أنّها تفرز سموماً لا تختفي نهائيًّا من خلال الطّهي لاحقاً، الأمر الذي يُسبّب الإصابة بالإسهال والقيء وآلام في البطن"، لافتاً إلى أنّ "التداعيات خطيرة حقًّا".
ويُتابع د. حسن في حديث لموقع "الأفضل نيوز"، أنّ هذه الأسماك تحمل أيضاً ملوّثاتٍ كيميائيّة مثل المعادن الثقيلة الموجودة كثيراً في الأنهر في لبنان بسبب التلوّث المنتشر، وبالتالي الخطر على المستهلك يكون من البكتيريا السامّة ومن الملوّثات الكيميائيّة على حدّ سواء".
إذاً، كيف يمكن معرفة جودة الأسماك عند شرائها؟ يُجيب د. حسن: رائحة السّمك تكون خفيفة إذا كان طازجاً أمّا السّمك المتحلّل فتكون رائحته قويّة وغير محبّبة. كما أنّ عيون السّمك "تتكلّم" وتكون لامعة في السمكة الطازجة ولكن يجب الحذر إذا كانت العيون "غامقة". والسمكة الطازجة أيضاً تكون مثل الـ elastic على عكس المتحلّلة. كما أنّ خياشيم الأسماك يجب أن يكون لونها أحمر تقريباً، أمّا إذا كان مائلاً إلى الرمادي فهذا يدلّ على أنّ السمكة فاسدة.
وفي ما يتعلّق بكيفيّة حفظ الأسماك بالأسواق تمهيداً لبيعها، يُشير د. حسن إلى وجوب حفظ الأسماك في حرارة بين 1 و4 درجات، خارج منطقة الخطر التي تبدأ عند الـ 5 درجات، أو في برّاد أو مغطّاة بالثّلج، لافتاً إلى أنّ تغطيتها بالثلج أمر جيّد جداً لكي تحافظ على درجة حرارتها.
بالإضافة إلى الحرارة، هناك عامل آخر لا يقلّ أهميّة وهو مكان حفظ السّمك، الذي يجب أن يحصل على تهوئة جيّدة لتجنّب الرطوبة لأنّها تسبّب العفن.
ومن التفاصيل الأساسيّة، ينبغي الامتناع عن وضع الأسماك مع بعضها البعض مع الحرص على تفريقها بحسب نوع كلّ منها، تفادياً لما يُعرف بالتلوّث الانتقالي، وفق د. حسن، موضحاً: "هناك مخاطر موجودة في نوع معيّن من الأسماك غير موجودة في غيرها، لذلك عندما توضع كلّ الأسماك مع بعضها البعض، تتناقل الملوّثات بين الأسماك كلّها، والمخاطر هي عبارة عن جراثيم وملوّثات كيميائيّة يُمكن أن تكون بالغة الخطورة. والمهمّ أيضاً البدء ببيع الأسماك التي أتت قبل غيرها، وعدم بيع الجديدة وترك التي أتت سابقاً".
ماذا عن المسار الصحي الذي يجب أن تتبعه العمليّة من الصّيد إلى البيع؟
يُجيب الأستاذ والباحث في علوم الغذاء: "الصّيد يجب أن يحصل أوّلاً من مياه نظيفة، وهذا غير متوفّر في لبنان، وبالتالي عندما نصطاد السمكة يجب أن نتّخذ إجراءاتٍ معيّنة كي لا نزيد من التلوّث".
ويُتابع موضحاً: "عند اصطياد السمكة، ينبغي نقلها فوراً إلى مكان البيع أو إلى البرّادات المحمولة أو الشاحنات المبرّدة في حال كانت الكميات كبيرة. وقبل عمليّة البيع، لا بدّ من فرز السّمك وفق الرائحة والشّكل، واستبعاد الفاسدة. وأثناء حفظ السّمك في البرّاد، من الضّروري مراقبة الحرارة وعدم قطع الكهرباء عن مناطق التبريد، والإنتباه إلى الطاولة التي نعرض عليها السّمك إذ يجب أن تكون نظيفة وكذلك الأدوات المستخدمة".
في السياق نفسه، يرى د. حسن أنّ "على الدولة مسؤوليّة أيضاً، إذ عليها أن تُراقب المسار الذي تتبعه العملية من الصيد إلى البيع وتحرص على أن تكون كاملة وشاملة، تفادياً للتداعيات التي يُمكن أن تحصل على مختلف الصّعد".
ويُتابع قائلاً: "التداعيات الصحية مختلفة ومتنوّعة في حال تناول أسماك نافقة، فهي تحتوي على بكتيريا مضرّة مع سموم وملوّثات كيميائيّة. وهناك أيضاً تداعيات اقتصاديّة، لأنّ نسبة كبيرة من الناس ستمتنع عن شراء السّمك وتناوله في المطاعم بعد هذه الفضيحة، الأمر الذي ينعكس سلباً وبشكلٍ كبير على المطاعم والصيادين الذين يعملون بضمير، وهذا يؤدّي حتماً إلى زيادة الإستيراد".
أمام هذا الواقع، يأمل د. حسن أن يُحفّز ما حصل، السلطات، على تشكيل الهيئة الوطنيّة لسلامة الغذاء بأسرع وقت، لأنّه للأسف حتى الآن هي عرضة للتناتش الطائفي والحزبي، ولو كانت هذه الهيئة موجودة الآن لكان قسمٌ كبير من القضايا قد حُلَّ.