د. رائد المصري-خاصّ الأفضل نيوز
يريد العدو الإسرائيلي تجديد العدوان على لبنان والدخول في حرب شاملة، حيث تنتظر نتنياهو ملفات شائكة في الداخل الإسرائيلي، تبدأ من ملف الأسرى لدى حماس، ولا تنتهي بالتُّهم الموجَّهة إليه، وتفكيك عصب الدولة اليمينية العميقة وتطرفها، الذي وضعها في زاوية العزل والحجر الصحي الإحتياطي الدولي، كذلك فإن الفتنة التي أطلَّت برأسها في منطقة جرمانا ومحيطها في سوريا، بعدما أعلن العدو الإسرائيلي، عزمه التدخل في الشؤون السورية، ومن خلال المكونات الدرزية، وإطلاق التصريحات التعبوية لاستغلال الوضع المتأرجح في سوريا، من أجل فرض السيطرة على مناطق واسعة من الأراضي السورية الجنوبية المجاورة لهضبة الجولان المحتلة، وذات الأكثرية من السكان الموحدين الدروز.
أمام هذه الوقائع، يعيش لبنان وسوريا في مرحلة خطيرة، وتقاطع دولي وإقليمي لم يتثبَّت بعد، في ظل إطلاق اليد الإسرائيلية في هاتين الدولتين، لتوسيع دائرة نفوذ تل أبيب، حيث إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد يمَّم وجهه صوب زيارة الخليج والمملكة العربية السعودية، ونحو أوكرانيا ولقاء الرئيس بوتين، لاستكمال التسوية_الصفقة فيها، وبتنا اليوم متروكين أمام توحُّش صهيوني لا يردعه إلاَّ وحدة الموقف والتكاتف الوطني، لدرء مخاطر الفتنة التقسيمية، التي تطل برأسها بين الحين والآخر.
وليس بخافٍ على أحد أو على أي جهة سياسية في لبنان وخارجه حجم المخاطر، بعدما استهدف العدو عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، وليس من باب التهويل القول، بأن هناك توجّها لتجديد العدوان على لبنان، عبر تصاعد وتيرة الإنذارات والاستهدافات، بهدف جرّ حزب الله إلى الحرب مجدّدا بغطاء أميركي، وهو ما يرتِّب على لبنان أكلافاً كبيرة، ويكشف البلد ويدخله في أتون انقسامات عامودية، هو بغنىً عنها هذه الأيام، وبالتالي يضع الدولة اللبنانية ومعها رئيس الجمهورية تحت الأمر الواقع، بعيداً عن الحوار والاستراتيجية الدفاعية المزمع البدء بها، تحت حجَّة أن إسرائيل تتكفل بذلك، وربما هي رسائل واضحة عن عدم رضا الإدارة الأميركية على أداء الرئيس اللبناني، وأسلوب مقاربته لقضايا لبنان والحلول فيه، خاصة أن إسرائيل تقصَّدت الكشف علنا، عن أن واشنطن تمَّ إبلاغها بالضربة على الضاحية ووافقت عليها.
وتريد إسرائيل القول إن الضاحية الجنوبية لبيروت كما البلدات والقرى الأمامية في الجنوب، هي غير محيَّدة ووفقا لأكثر من مصدر ديبلوماسي حصل عليها "الأفضل نيوز"، فإن دائرة الانتهاكات الإسرائيلية قد تتوسّع لأكثر من منطقة في لبنان، وكل هذا يأتي في سياق خدمة الهدف الأول والأخير، ببدء جولة جديدة من الحرب في لبنان، وجرّ حزب الله إليها عاجلا أو آجلا، من أجل تأليب الرأي العام اللبناني، والضغط أكثر للتضييق على البيئة الحاضنة للمقاومة، واستثمار ذلك في تجييش الشارع ضد الحزب، بعد التيقن من استحالة جرّه إلى اقتتال داخلي وحرب أهلية، ناهيك عن أن استمرار العدوان على لبنان وتوسّعه الحتمي في مرحلة لاحقة، يهدف إلى مفاوضة إيران تحت نار محاولة كسر ذراعها الأقوى في المنطقة أي حزب الله، خصوصاً أن كل هذه الحرب وهمجيتها، وبمعزل عن نتائجها، لم تستطع القضاء على الترسانة العسكرية المتطورة التي يملكها الحزب، والتي ما زالت تشكّل تهديدا خطيرا للكيان الغاصب، ويعلم العدو أن الحزب استعاد أنفاسه ورتّب وضعه وبات قادراً على مواجهته متى أراد ذلك.
ولذلك ظهرت وبسرعة النوايا الإسرائيلية الخبيثة للتدخل في الشأن الدرزي في سوريا، فيما يقوم الحكم الجديد في سوريا بترتيب أوراقه، التي لم يستكملها بعد على كل الأراضي السورية، ليستفيد من حال الفراغ مستبقاً أي حلول مرتقبة، بعد أن سارع الشيخ طريف من موقعه في إرسال الوفود إلى السويداء، ودعوة بعض الوجهاء وعلماء الدين لزيارة الأراضي المحتلة، وصولاً إلى تنظيم الزيارات الشعبية الحاشدة، كخطوات لتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع طائفة الموحدين الدروز في سوريا، فمن الواضح أن التصدِّي لمخطَّط الفتنة بالوعْي والحكمة كان غائباً، أقله إلى حين توقف الاشتباكات في أشرفية صحنايا السورية، حيث شكلت ردات الفعل الانفعالية الفورية والمتفلِّتة من عقال الضوابط الأمنية، تفاقماً خطيراً أظهرت أجواء وتحديات وتوترات، وفجَّرت الوضع بشكل مأساوي في الأيام الأخيرة.
إن إحباط مخطط الفتنة الإسرائيلية المتنقلة من لبنان ثم إلى سوريا، لا يجب أن يتم أو يواجه، إلاَّ بتوافق وإجماع وطني بين كل المكونات الرافضة لهذا الواقع المتردي، الذي تعبث به إسرائيل، عبر انخراط عملائها في مؤامرات، لزرع بذور الانشقاق عن الوحدة الوطنية السورية، خاصة وأن رجال الدين والفقهاء لديهم انتماء واضح وقوي إلى الدين الإسلامي الحنيف، الذي حمل رسالته الرسول الأكرم(ص)، كما كان لمواقف الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الحاسمة، الدور الأبرز في تطويق الفتنة وحقن الدماء، حيث جاء التدخل السريع وتحرك شيخ عقل الطائفة في لبنان الدكتور سامي أبو المنى، حاسماً لجهة تطويق بعض الانتهازيين والمصطادين في مياه الفتنة في لبنان، مؤكداً على الثوابت الإيمانية والوطنية لطائفة الموحدين، وتمسُّكهم بالهوية العربية وبالإسلام، وقد دعا في كلمة له إلى التعقُّل والحكمة، والابتعاد عن ردود الفعل الفوضوية، وعدم المساهمة في تحقيق أهداف العدو القاتلة، الذي يستغل الأحداث في كل مرة، واليوم في جرمانا ليشنَّ غارات جوية بحجة الدفاع عن دروز المنطقة.
اليوم الفتنة لا تقف عند حدود الداخل السوري أو في جنوبه، بقدر ما يمكن أن تؤدي إلى العَبَث بوحدة سوريا، ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط والمنطقة، التي تعيش مرحلة تحول، ربما هي الأخطر في تاريخها الحديث، بحيث وَجَبَ التحوُّط والتعلُّم من دروس الماضي، وأخذ العبر من أداء الصهاينة ومشاريعهم الفتنوية، التي تطل برأسها وتنذر بالقتل والخراب والتهجير لشعوب الشرق الأوسط، فهذا هو الشر المستطير والمطلق، لكيان مسبِّب لكل أوجاع البلدان والعالم منذ عام 1948 إلى يومنا هذا..