عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
يحاول البعض في لبنان البناء على مسار الانتخابات البلدية والاختبارية، ترشيحات وتحالفات واقتراع ونتائج، لاستشراف معالم الانتخابات النيابية بعد نحو عام ورسم سيناريوهات مسبقة لها.
صحيح أن الاستحقاق البلدي يشكل فرصة لتحمية الماكينات الانتخابية العائدة إلى القوى السياسية ولجس نبض القواعد الشعبية، لكن لا تجوز المبالغة في تحميله ما لا يتحمله، ولا يصح الخلط بينه وبين المبارزة النيابية التي تنطوي على خصوصيات جوهرية ومختلفة، تحتم مقاربتها من زوايا مغايرة.
أما أهم الفوارق فهي الآتية:
_ تتم الانتخابات البلدية والاختيارية على أساس القانون الأكثري، بينما تستند تلك النيابية إلى القانون النسبي، ومن المعروف أن مفاعيل الأرقام والأصوات بموجب الأكثري غيرها في النسبي، ومن يقصيه القانون الأول عن المجلس البلدي، يمكن أن يحمله القانون الثاني إلى المجلس النيابي.
_ تشكل العائلات ركيزة الانتخابات البلدية أو على الأقل هي "شريك مضارب" للأحزاب التي لا يمكنها أن تتجاهل إرادة تلك العائلات عند تركيب بازل اللوائح البلدية، بل إنها تخضع لمزاجها أحيانا كثيرة، حتى لو لم تكن مقتنعة به، وذلك حتى لا تخسر أصواتها في الانتخابات النيابية، وهذا ما يفسر بعض التحالفات الحزبية الهجينة التي أفرزتها اللوائح البلدية بعيدا من الاصطفافات السياسية النمطية.
_ تؤثر العلاقات الشخصية والصلات الاجتماعية في تحديد الخيارات البلدية والاختيارية للناخبين، فيما يضعف انعكاسها على الاختبار النيابي الذي تحركه الحسابات والمصالح السياسية بالدرجة الأولى.
_ حماسة الناخبين واندفاعهم في المعارك البلدية يكونان على العموم أضعف مما يكونان عليه في المعارك النيابية وفق ما يُستدل من نسب التصويت، وذلك بفعل تراخي العصب نتبجة انخفاض منسوب التعبئة والتحريض بالمقارنة مع الارتفاع الذي يصل إليه في الانتخابات النيابية.
_ يحضر المال السياسي والطيف الخارجي في الانتخابات النيابية بشكل أو بآخر كونها ترسم توازنات البلد الاستراتيجية، بينما تتخذ تلك "البلدية" طابعا محليا يستبعد هذين العاملين.
_ يتمحور الاستحقاق البلدي حول المشاربع الإنمائية والخدماتية التي غالبا ما تطغى على الأدبيات المستخدمة، بينما تشكل الخيارات السياسية عصب الاستحقاق النيابي ومعيار الفرز في المواقف والأصوات.
_ تبدو التحالفات البلدية أكثر مرونة وليونة بحيث يمكن أن تجمع التناقضات والخصوم في لوائح مشتركة تحت سقف إعطاء الإولوية للإنماء وتحييده عن الخلافات الكبرى، بينما يصبح هامش المناورة أصغر في الانتخابات النيابية التي لا بد لتحالفاتها من أن تستند إلى حد أدنى من الانسجام.
وعلى سببل المثال، إذا كان قد أمكن في العاصمة بيروت استقطاب الثنائي- حزب الله وحركة أمل، والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، لدعم لائحة انتخابية بلدية واحدة، فإنه يستحيل أن يتكرر مثل هذا السيناريو في الانتخابات النيابية، وهكذا دواليك.
كذلك، إذا فرضت الضرورات المحلية والتركيبات العائلية أن تلتقي "القوات" مع ألدِّ خصومها- الحزب السوري القومي الاجتماعي في مكان ما، أو مع التيار الوطني الحر في بعض البلدات، فإن الأمر هو من المُحال في الانتخابات النيابية.