محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
لم تكن الحرب الإسرائيلية – الأميركية على إيران وليدة لحظة أمنية عابرة، ولا ردة فعل على هجوم أو تهديد مباشر. هذه الحرب، سواء اتخذت شكل الاغتيالات أو العمليات السرية أو الاستنزاف المباشر، تعود جذورها إلى رؤية استراتيجية أميركية – إسرائيلية متكاملة: لا مكان في المنطقة لأي نظام يمكن أن يشكل تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل" أو يقلق الهيمنة الأميركية.
منذ عام 2000، بعد هزيمة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، بدت واشنطن وتل أبيب وكأنهما دخلتا في سباق مع الزمن لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم أمن "إسرائيل" المطلق. هكذا وُلد مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وهكذا خيضت حرب تموز 2006، وحُوصرت غزة، وضُرب العراق وسوريا واليمن، وها هي إيران اليوم في قلب العاصفة.
الحرب على إيران، بحسب مصادر سياسية مطلعة، ليست قضية برنامج نووي بحت، كما يحلو للدعاية الغربية والإسرائيلية أن تصورها، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير. إيران، منذ انتصار ثورتها عام 1979، تقف خارج السياق الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة. أسست محاور وامتدادات سياسية وعسكرية، من حزب الله في لبنان، إلى قوى المقاومة في فلسطين، إلى تحالفات استراتيجية مع سوريا واليمن والعراق.
وجود إيران، بما تمثله، ينسف فكرة "إسرائيل الكبرى" ويهدد المشروع الأميركي في المنطقة. من هنا، أي قدرة صاروخية، أو نفوذ سياسي، أو برنامج نووي حتى لو كان لأغراض سلمية، يُعتبر خطراً يجب إنهاؤه.
تُشير المصادر إلى أن "إسرائيل" لا تخاف من قنبلة نووية إيرانية بحد ذاتها، فهي تعلم، كما يعلم الأميركيون، أن إيران لن تبدأ حرباً نووية لن تنجو منها. الخطر يكمن في ميزان الردع، فمجرد امتلاك إيران قدرة نووية دفاعية أو حتى القدرة على إنتاجها عند الحاجة، يعني أن "إسرائيل" ستفقد تفوقها الساحق في المنطقة، وأن قدرتها على شن الحروب والاعتداءات ستصبح مقيدة بحسابات معقدة.
هذا ما يفسر، بحسب المصادر، لماذا حتى دول بعيدة نسبياً مثل باكستان استشعرت الخطر. باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة المعلنة، تدرك أن استهداف إيران بهذه الطريقة قد يكون مقدمة لضرب أي دولة مسلمة تملك أو يمكن أن تملك قوة توازن إقليمي، خصوصاً أن "إسرائيل" لم تخف يوماً رفضها لوجود مثل هذه القدرات خارج يد الغرب.
بالنتيجة إنها ليست حرباً على إيران فقط، بل على فكرة الاستقلال الإقليمي ذاته. المطلوب أميركياً وإسرائيلياً هو شرق أوسط خالٍ من أي قوة معادية لـ"إسرائيل"، أي شرق أوسط خاضع بالكامل لمنظومة الأمن الأميركية – الإسرائيلية، شرق أوسط لا يملك قراره السيادي في قضايا الحرب والسلم.
لذلك تتنوع أدوات الحرب: حصار اقتصادي، فتن داخلية، عمليات اغتيال، هجمات سيبرانية، ضربات عسكرية موضعية، واستنزاف طويل الأمد. الهدف ليس فقط وقف مشروع إيران النووي، بل إنهاكها، إسقاط نظامها أو دفعه نحو الاستسلام السياسي، وضرب كل ما بنته من محاور.
الحرب على إيران اليوم هي فصل جديد من صراع بدأ منذ أن قررت واشنطن وتل أبيب أن أمن "إسرائيل" لا يكتمل إلا بكسر كل دولة أو محور يمكن أن يقول لا، أو أن يملك قوة ردع فعلية. هي الحرب ذاتها التي شنت على العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن، وتُشن اليوم على إيران.
ومثلما كانت حرب تموز لحظة كشف لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، فإن هذه الحرب، بكل وجوهها، هي محاولة لترميم ذلك المشروع الذي سقط سابقاً تحت ضربات الشعوب والمقاومات.