ترجمة - الأفضل نيوز
تعدّ البلدان الواقعة في أقصى الخاصرة الشرقية للقارة الأوروبية العدة تحسبًا لأي قرار قد تتخذه روسيا التي تشكل لها تهديدًا وخطرًا داهمًا لاختبار القدرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي أكمل مؤخرًا مناورات لقواته الجوية في فنلندا.
وقالت إنه في الوقت الذي تنشغل فيه موسكو حاليًا بحربها على أوكرانيا، فإن كثيرين على طول الحدود الفنلندية الروسية يتوقعون أن يحوِّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتباهه يومًا ما إلى الجهة الشرقية لحلف الناتو.
وقد حذر الأمين العام للناتو مارك روته الشهر الماضي من أن موسكو قد تكون مستعدة لاستخدام القوة ضد الحلف "في غضون 5 سنوات". وقال روته في خطاب ألقاه: "دعونا لا نخدع أنفسنا، نحن جميعا على الجناح الشرقي الآن".
وفي وقت لاحق، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطاب ألقاه أمام قمة الحلف التي انعقدت الأسبوع الماضي في مدينة لاهاي بهولندا، إن روسيا تخطط لعمليات عسكرية جديدة على أراضي الناتو.
وفي حين طمأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حلفاءه لدى وصوله إلى لاهاي لحضور القمة بأنه معهم "حتى النهاية"، إلا أنه كان قد أثار فزع العواصم الأوروبية قبل ساعات من ذلك بإشارته إلى أن اتفاقية الدفاع المشترك بين الحلف العسكري، المعروفة باسم المادة الخامسة، مفتوحة للتفسير.
ووفقا للصحيفة، فقد أثارت رئاسته تساؤلات عن مدى قوة الضمانات الأمنية التي تقدمها أميركا وكذلك طول أمدها، مما وضع قدرات أوروبا الدفاعية تحت المجهر بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ عقود.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية نشاطًا متزايدًا في القواعد الروسية القريبة من الجناح الشرقي لحلف الناتو، بما في ذلك مطارات ليفاشوفو وكامينكا وأولينيا، التي كانت هدفا لهجمات الطائرات المسيرة الأوكرانية، وهو ما اعتبرته فايننشال تايمز دليلا على أن موسكو بدأت بالفعل اتخاذ خطوات لتعزيز حضورها الإقليمي.
ونقلت الصحيفة عن الأمين العام للناتو القول إنه لا يتوقع أن تشنّ روسيا هجومًا على المدى القريب، بينما أكد نائب رئيس أركان قوات الدفاع الفنلندية الفريق كاري نيسولا أنه لن يساوره القلق بشأن توقيت مثل هذا العمل العدواني قائلا إنه عبر مئات السنين من التاريخ، لم يكن الأمر يتعلق بما إذا كان ثمة هجوم سيقع، بل متى، ولكن في كل الأحوال "عليَّ أن أكون مستعدًا كل يوم".
وتحث العديد من دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف الناتو الخطى لزيادة إنفاقها الدفاعي لسد الثغرات في القدرات العسكرية تحت ضغط كل من روسيا وترامب.
وفي قمتهم الأخيرة في لاهاي، أكد الحلفاء مجددًا "التزامهم الصارم بالدفاع الجماعي"، إذ اتفقوا على زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي خلال العقد المقبل، على الرغم من وجود بعض المرونة في ما يتعلق بالمبلغ الذي سيتم الالتزام به للدفاع عن خطوط المواجهة. وقد حصلت إسبانيا على استثناء مثير للجدل من خلال وعدها بتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو بتكلفة أقل.
ونسبت الصحيفة إلى أحد مسؤولي الاستخبارات الإقليمية، من دون أن تسميه، القول: "كلنا نريد ردع روسيا من خلال إظهار القوة، وبتعزيز قدراتنا. ولكن على الجانب الآخر، ستكون هناك حسابات بوتين الخاصة في مرحلة ما تتعلق بما إذا كان يعتقد أنه قادر على تحقيق النصر. علينا أن نتأكد من أنه لا يخطئ التقدير".
ووقفت فايننشال تايمز في تقريرها على مدى استعدادات دول الناتو في الجبهة الشرقية، حيث تعد النرويج -التي تتشارك حدودًا بطول 200 كيلومتر مع روسيا- نموذجًا للدول الأوروبية التي تزيد إنفاقها لتعزيز قواتها العسكرية.
وعلى الرغم من أن النرويج لا تواجه تهديدًا مباشرًا من روسيا كما تزعم الصحيفة فإن رئيس وزرائها يوناس غار ستور يقول إن جميع دول المواجهة على علم بأن روسيا تخطط لإعادة إنشاء منطقتي موسكو ولينينغراد العسكريتين المنفصلتين اللتين تم دمجهما في عام 2010.
قليلون هم الذين يعتقدون أن هجوما روسيًّا على الناتو سيبدأ من الشمال المتجمد في البر الرئيسي للنرويج. ولكن هناك مخاوف من أن تُقدم موسكو على إجراء اختبار صغير على أرخبيل سفالبارد المنزوع السلاح في القطب الشمالي، وهو إقليم نرويجي ولكنه أيضا موطن لمستوطنة روسية.
وثمة دولة أخرى في الناتو هي فنلندا التي عانت من ألم فقدان جزء من أراضيها لمصلحة روسيا. فعلى الرغم من صمودها أمام الاتحاد السوفياتي في حرب الشتاء بين عامي 1929 و1940، فإنها خسرت حوالي 10% من مساحتها خلال الحرب العالمية الثانية.
ولهذا السبب، ظلت فنلندا طوال 80 عامًا من انتهاء تلك الحرب تستعد بثبات مرة أخرى لغزو محتمل من جهة روسيا التي تعمل على زيادة قواتها وعتادها العسكري على الحدود. لكن الفنلنديين يعتقدون أن الأمر قد يستغرق من الروس سنوات بعد أن تضع حربهم في أوكرانيا أوزارها حتى يستردوا كامل قوتهم مرة أخرى.
ورغم أن شعار الناتو الجديد بحسب الصحيفة البريطانية هو الدفاع عن أول سنتيمتر من أراضيه، فإن من الواضح أن التنازل في فنلندا عن بعض الأراضي مؤقتًا سيكون جزءًا من أي خطة دفاعية.
وتحذر مديرة المركز الدولي للدفاع والأمن في إستونيا، كريستي رايك، من أن أي إخفاق في الرد بقوة على أي عدوان مستقبلي من موسكو يعني نهاية التحالف، "لذلك، فإن الكثير يتوقف على مدى شعور بوتين بالجرأة طبقا للنتائج التي يحققها في حربه ضد أوكرانيا".
وقالت إن الولايات المتحدة إذا فرضت سلامًا "سيئًا" على أوكرانيا، فإن روسيا ستشعر بأن الحق إلى جانبها، "وسيزداد من ثم الخطر على أمننا". وأضافت أن الأمر يتلخص في سؤال أساسي واحد هو: "كيف تقيِّم روسيا مدى استعداد حلف الناتو للرد بشكل جماعي، على أي عدوان تشنه؟".