نوال أبو حيدر - خاصّ الأفضل نيوز
مرة جديدة، تعود رابطة موظفي الإدارة العامة إلى دائرة التعليق المؤقت للإضراب، مقابل تطمينات رسمية لم يثبت في التجارب السابقة أنها ترتقي إلى التنفيذ الفعلي. هذه الخطوة جاءت بعد لقاء وفد من الرابطة برئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، لقاءٌ أعاد الآمال من جهة، لكنه في الوقت نفسه أثار التساؤلات حول جدوى هذه الخطوات ومدى جديّة السلطة في التعامل مع أزمات القطاع العام.
فالمشهد الذي بات مألوفاً منذ سنوات، يتكرّر اليوم في ظل تراجع متواصل في الواقعين المالي والمعنوي لموظفي الدولة، وسط فراغ إصلاحي شامل، وغياب أي خطة متماسكة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي من الانهيار.
رؤية متفائلة من الرابطة... والثقة مشروطة
رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة، وليد جعجع، يؤكد لموقع "الأفضل نيوز" أن "قرار تعليق الإضراب أتى نتيجة لمناخ إيجابي لمسه الوفد خلال لقائهم مع رئيس الجمهورية، حيث شعروا للمرة الأولى أن هناك تفهّماً حقيقياً وواضحاً لمطالبهم، لأن الرئيس وعد بطرح الملف على طاولة مجلس الوزراء، وأبدى استعداداً لتشكيل لجنة متابعة مشتركة للعمل على تنفيذ ما يمكن تنفيذه فوراً، وتأجيل ما يستلزم وقتاً إضافياً ضمن حدود المعقول".
وبحسب جعجع، "الرابطة قررت أن تواكب هذا التوجّه بروح إيجابية، وأن تعطي فرصة لهذا المسار الجديد، شرط أن يواكب بخطوات ملموسة وسريعة. فالثقة وحدها لا تكفي، ما لم تُترجم إلى إجراءات تُخرج الملف من حالة الجمود".
بين التعاون والتحفّظ: موازنة دقيقة
وفي تفسيرٍ لقرار التهدئة، يوضح جعجع أن "موظفي الدولة ليسوا في موقع العداء مع السلطة، بل على العكس، حريصون على الحفاظ على المرفق العام وعلى علاقة متوازنة مع الدولة والمواطن على حد سواء، كما وأنهم لا يريدون التصعيد لأجل التصعيد، بل يبحثون عن حلول تحفظ كرامتهم ومصالحهم، دون أن يدفعوا بالمواطن اللبناني إلى مزيد من المعاناة".
وفي المقابل، لا يخفي أن "الإحباط يتسلل بسهولة في ظل تجارب سابقة كانت حبلى بالوعود، وفقيرة بالنتائج. لذا، فإن أي تلكؤ جديد سيكون له ثمن، والرابطة لن تبقى في موقع المتفرج".
الخيارات التصعيدية على الطاولة... ولكن بحكمة
في هذا الخصوص، لم يستبعد جعجع "العودة إلى التحرك، فجميع الخيارات مفتوحة في حال لم تُترجم الوعود إلى أفعال، ونحن قادرون على التصعيد وحتى على شلّ البلد، لكننا لا نسعى إلى ذلك، لأن مسؤوليتنا الأخلاقية والوطنية لا تسمح بأن يكون المواطن ضحية الإهمال الرسمي. والرابطة اليوم تتحرّك على حافة التوازن بين ضرورة الدفاع عن الحقوق، وبين واجب عدم الإضرار بالمجتمع اللبناني الذي يعيش أصلاً تحت ضغوط معيشية غير مسبوقة".
الإدارة العامة في عين العاصفة
وفي سياق متصل، يعتبر جعجع أن "ما يتعرض له القطاع العام من تهميش وانهيار ممنهج، يتطلب وقفة مسؤولة من الدولة، لأن موظف الإدارة العامة ليس عبئاً، بل هو العمود الفقري لاستمرارية الدولة، وإذا سقط هذا الهيكل، فإن مؤسسات الدولة برمّتها ستكون في مهب الريح"، لافتاً إلى أن "الرابطة، رغم كل ما تتعرض له، ما زالت تحاول خلق مساحة للتفاهم، وتؤمن بأن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا عبر التعاون بين كل المكوّنات، لا عبر الكباش المفتوح".
وعود كثيرة... والتنفيذ في قفص الشك
في المحصلة، وبين لغة التفاؤل التي حملها لقاء بعبدا، وسلسلة التجارب المُرة التي عرفها الموظفون مع الوعود الحكومية، يبقى الحذر سيد الموقف. فتاريخ لجان المتابعة في لبنان ليس مشجعاً، وغالباً ما تنتهي ملفاتها في أدراج النسيان، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل نشهد بداية مسار جدي يعيد الاعتبار للقطاع العام، أم أن ما حصل لا يتجاوز كونه فصلاً جديداً من فصول التأجيل؟ في انتظار الإجابة، يبقى موظفو الدولة معلّقين بين تفاؤل حذر، وواقع مرّ.