ميشال نصر - خاصّ الأفضل نيوز
عشية الإحاطة المنتظرة في مجلس الأمن لناظرة القرار ١٧٠١، عقد الموفد الأميركي المؤقت الى لبنان، توم براك، لقاءً مطولاً مع مورغان أورتاغوس، المكلفة إدارة ملف التمديد "لليونيفيل"، في نيويورك بعد عودته من بيروت، وقبل أن يحتفلا بعيد ميلادها ال ٤٣، حيث انتهى القرار الأميركي الى تمديد للوحدة الدولية مشروط بخفض عديدها الى النصف، بحجة أزمة التمويل التي تعاني منها الأمم المتحدة، وهو ما تبلغته باريس صراحة، وإلا فإن استخدام سلاح حق النقض سيكون جاهزًا على الطاولة.
مصدر دبلوماسي مواكب للاتصالات، كشف أن كل المحاولات الجارية لثني واشنطن عن قرارها، وتحديدا الفرنسية، والتي كان آخرها قبل أيام، باءت كلها بالفشل، أمام الإصرار الأميركي، الذي يخفي خلفه على ما يبدو الكثير من القطب المخفية، خصوصا أن واشنطن تقر بتداعيات قرارها السلبية على لبنان والمنطقة، وما قد يتسبب به من انهيارات دراماتيكية، وعودة جنوب لبنان الى صندوق بريد وساحة تصفية حسابات.
وأشارت المصادر، الى إن سحب قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، أو حتى خفض عديدها، وبالتالي التأثير على قدراتها العملياتية، سيكون له تبعات استراتيجية بعيدة المدى، لا تقتصر على لبنان وحده، بل تمتد لتؤثر على ميزان القوى في المنطقة برمتها، متوقفة في هذا الإطار عند النقاط البارزة التالية:
- تصاعد خطر المواجهة العسكرية الشاملة، إذ إن قوات اليونيفيل تشكل حاليًا حاجزًا ماديًا وبشريًا على "الخط الأزرق" بين لبنان وإسرائيل، مما يقلل من فرص الاحتكاك المباشر وسوء التقدير الذي قد يؤدي إلى تصعيد، وبالتالي فإن أي تلاعب بعديدها يعني إزالة هذا الحاجز، مما يزيد بشكل كبير من احتمالات وقوع حوادث قد تتطور إلى مواجهات مسلحة واسعة النطاق.
- غياب آلية فعلية احتواء النزاع، حيث تلعب اليونيفيل دورًا حيويًا في تسهيل التواصل بين الجيش اللبناني والقوات الإسرائيلية عبر الاجتماعات الثلاثية. هذه الآلية تسمح بفض النزاعات وتوضيح المواقف في اللحظات الحرجة، فغيابها سيجعل من الصعب احتواء أي اشتباكات أو خروقات، مما يرفع من خطر الانزلاق إلى حرب شاملة، خصوصًا بعد نعي توم براك للجنة مراقبة وقف النار.
- زيادة نفوذ "الفاعلين غير الحكوميين"، فمع ضعف القوة الدولية، من المرجح أن يزداد نفوذ القوى المسلحة غير الحكومية، وفي مقدمتها حزب الله، في جنوب لبنان. هذا قد يؤدي إلى مزيد من التوتر مع إسرائيل، وربما عمليات عبر الحدود، مما يدفع إسرائيل إلى ردود فعل عسكرية أكثر قوة وعمقًا، قد تتجاوز الحدود اللبنانية.
- زعزعة الاستقرار في لبنان، الذي يعاني بالفعل من ضعف مؤسسات الدولة وتفككها، وبالتالي فإن أي قرارٍ غير محسوب، سيترك فراغًا أمنيًا كبيرًا لا يستطيع الجيش اللبناني، بوضعه الحالي، ملؤه بشكل فعال، ما سيزيد من تحديات بسط سيطرة الدولة على أراضيها وضبط السلاح غير الشرعي.
- تفاقم الأزمات الداخلية، ذلك أن عدم الاستقرار الأمني سيزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وسيؤثر أي قرار يخص اليونيفيل سلبًا على الأمن الاقتصادي للمنطقة، حيث توفر فرص عمل وتدعم الاقتصاد المحلي بشكل غير مباشر. هذا سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، وربما زيادة في النزوح الداخلي والخارجي.
- تقويض الجهود الدولية الأوسع لدعم الاستقرار في لبنان، فالمس باليونيفيل سيعتبر فشلاً لهذه الجهود، وقد يؤدي إلى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية اللبنانية، مما يترك لبنان عرضة لتأثيرات اللاعبين الإقليميين.
- تغيير ميزان القوى الإقليمي، إذ قد تؤدي تلك الخطوة إلى تعزيز نفوذ ايران، فغياب الرقابة الدولية سيمنح حزب الله مساحة أكبر للتحرك في الجنوب اللبناني، وربما لزيادة قدراته العسكرية، مع ما لذلك من تأثير على أمن إسرائيل، التي قد تتخذ إجراءات وقائية أو هجومية أكثر صرامة على طول حدودها الشمالية، وربما إلى إنشاء منطقة عازلة من جانب واحد.
-التأثير على اللاعبين الإقليميين الآخرين، إذ سيزيد التوتر في جنوب لبنان من تعقيد المشهد الإقليمي المتوتر أصلاً. فالدول الإقليمية التي لها مصالح في لبنان، قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم استراتيجياتها، مما قد يزيد من التدخلات الخارجية ويؤدي إلى حروب بالوكالة.
في الخلاصة، فإن التبعات الاستراتيجية للقرار ستكون كارثية، وستؤدي إلى تفاقم الأزمات القائمة، وزيادة خطر المواجهة العسكرية، وتغيير ميزان القوى الإقليمي بشكل سلبي، وتقويض دور القانون الدولي في المنطقة. لذلك، فإن الحفاظ على وجود اليونيفيل وتعزيز ولايتها يمثل ضرورة استراتيجية للحفاظ على ما تبقى من استقرار في هذه الزاوية المضطربة من العالم.