د. علي دربج_خاص الأفضل نيوز
في كل المناسبات، يتقن الرئيس الأميركي فن سرقة الأضواء، كي يرضي غروره، ويُرسخ صورة الرجل القوي الاستثنائي القادر على فعل أي شيء. هذه المرة، اختار سيد البيت الأبيض رياضة كرة القدم، التي تمكّن من أن يجد لنفوذه فيها موطئ قدم عبر رئيس الفيفا جياني إنفانتينو" الذي استماله ترامب، وأصبح محسوبًا عليه، فيما عينا ترامب تبقيان شاخصتين أولًا وأخيرًا، نحو المليارات التي تضخها هذه الرياضة.
ترامب وتتويج تشيلسي: خروج عن المألوف
في الواقع، وبينما كان فريق نادي تشيلسي الفائز ببطولة كأس العالم للأندية يتجمع لاستلام جائزته، كسر الرئيس دونالد ترامب البروتوكول، وصعد إلى منصة التتويج في ملعب ميتلايف بمدينة ميامي الأميركية برفقة إنفانتينو، ثم قدّما معًا الكرة والميداليات الذهبية الفخمة لنجوم تشيلسي، والميداليات الفضية لأعضاء فريق سان جيرمان الخاسر، في مشهد نادر أثار استغراب الأوساط الرياضية، وطرح علامات استفهام واسعة حول هذا التصرف.
العلاقة الملتبسة بين ترامب ورئيس الفيفا
صحيح أن تصرف ترامب كان عابرًا، لكنه لفت انتباه مراقبي اللعبة، نظرًا لدلالته العميقة. ضع في اعتبارك، أن إنفانتينو يترأس مؤسسة تشبه إلى حد ما الفاتيكان العلماني (وإن كانت تملك قوة مالية أكبر بكثير). زد على ذلك أن للفيفا حضورًا واسعًا في جميع القارات، فضلًا عن أن مشروعه يحظى بمحبة المليارات من المعجبين، مع الأخذ في الاعتبار أن آليات العمل الداخلية للهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية غامضة ومحاطة بالكثير من الجدل.
ومع ذلك، اضطر رئيس الفيفا إلى التودد والتملق لترامب لأشهر، حيث أمضى معه وقتًا خلال ولايته الثانية أكثر من أي رئيس أو رئيس وزراء آخر، سعيًا لضمان دعم البيت الأبيض الكامل، لبطولة كأس العالم المقرر إقامتها العام المقبل في كل من الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وتعقيبًا على ذلك، أشار ميغيل ديلاني، كبير مراسلي كرة القدم في صحيفة الإندبندنت البريطانية، إلى أننا نشهد "تحولًا كاملًا لإنفانتينو والفيفا إلى ترامب، أي مزيدًا من الاستحواذ على رياضة تُحرّكها بشكل متزايد مصالح الشركات الكبرى الداعمة وصناديق الثروة السيادية المؤثرة التابعة لمجموعة من الممالك العربية العزيزة على ترامب". وكتب ديلاني مشددًا على غرابة صعود ترامب على المسرح قائلًا: "هناك هذه الوقاحة في كل شيء، حيث تُهمَّش الأعراف والمعايير القديمة". وأضاف: "لا يُسمح لترامب حتى بالوقوف في وسط منصة التتويج".
أوروبا وكرة القدم: مجد يختفي لصالح الشرق الأوسط
في القارة العجوز التي تعدّ تقليديًا معقلًا لكرة القدم، يسود شعور متزايد بالاستسلام لرحيل اللعبة العالمية عن ساحتها. فكأس العالم الذي سيقام في أمريكا الشمالية، سيشهد للمرة الأولى مشاركة 48 منتخبًا وطنيًا، وهو ما يثير استياء التيار المحافظ والمتشدد في هذه الرياضة.
لكن في رؤية إنفانتينو، تُعدّ هذه البطولة مقدمة لمشاريع مستقبلية أكثر طموحًا، بما في ذلك كأس العالم 2034 التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية، إضافة إلى وضع جدول رياضي سيحفّز بعضًا من أفضل الأندية الأوروبية على المشاركة في بطولات بعيدة عن ملاعبها المعتادة.
الجدير بالذكر أن هذا التحول واضح لدرجة أن سيب بلاتر، سلف إنفانتينو الذي أُجبر على التنحي عن منصبه قبل عقد من الزمن وسط مزاعم فساد، جاهر بالتعبير عن استيائه ويأسه مما يحصل، فقال مؤخرًا في تصريح للتلفزيون الألماني: "لقد خسرنا كرة القدم لصالح السعودية. نحن من قدّمها، وهم أخذوها. ومن المدهش أنه لا يوجد أيّ معارضة لهذا داخل الفيفا".
ترامب وإنفانتينو والمصالح المشتركة
صحيح أن ترامب قد لا يكون ملمًا بهذه التفاصيل الجزئية لرياضة كرة القدم، لكنه الآن جزء منها. وتبعًا لذلك، أوضح كيفن فيسيير، الخبير في الجغرافيا السياسية الرياضية، لصحيفة لوموند الفرنسية اليومية، أن الرئيس الأميركي وإنفانتينو "متفقان في نهجهما نحو السلطة".
وأضاف: "يُركّز إنفانتينو الاستفراد بالسلطة داخل الفيفا، وهو بالضبط ما يحلم به ترامب في الولايات المتحدة. كما يتشاركان الرؤية الجيوسياسية نفسها، حيث يصبّ كلاهما اهتمامهما على الشرق الأوسط، حيث توجد مصالح اقتصادية لهما".
وماذا عن التحديات التي تواجه كأس العالم في القارة الأميركية؟
في الحقيقة، وبعيدًا عن الأجواء السياسية المحيطة بهذه الرياضة، هناك مخاوف عديدة أخرى بشأن تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في أميركا بقيادة ترامب، أبرزها:
تعطّل عدة مباريات في كأس العالم للأندية بسبب العواصف الرعدية والبرق.
شكوى عدد كبير من اللاعبين من خطورة درجات الحرارة المرتفعة جدًا في صيف القارة. ولهذا قال أندرياس شيلدروب، المهاجم النرويجي الذي يلعب لنادي بنفيكا البرتغالي، بعد مباراة أُقيمت الشهر الماضي في مدينة شارلوت: "لا أعتقد أنني لعبت في مثل هذا الحر من قبل. بصراحة، لا أظن أن الأمر صحي، لكني تمكّنت من تجاوزه".
هناك مخاوف كبيرة من نوعٍ آخر خارج الملعب. فخلال مباراة الأحد بين تشيلسي وسان جيرمان، انهالت صيحات الاستهجان من الجماهير على ترامب داخل الملعب. علاوة على ذلك، ثمة العديد من الأسئلة التي تقلق المراقبين الأميركيين، ومفادها: هل سيُرحَّب بالمشجعين واللاعبين الدوليين في الملاعب الأميركية داخل مدن هدّدها ترامب سابقًا بسبب سياساتها المنفتحة في الهجرة؟ وهل سيتم الترحيب بالرئيس نفسه في المباراة الافتتاحية التي ستُقام في لوس أنجلوس، المدينة التي نشر فيها مؤخرًا قوات من الحرس الوطني؟
في المحصلة:
إن مسؤولية تطمين عشاق كرة القدم وكل عائلتها الكبيرة — من أندية ولاعبين وجماهير — من أخطار سياسات ترامب على كأس العالم، تقع على عاتق رئيس الفيفا إنفانتينو. فهل سيصغي الأخير، للهواجس المستقبلية ويستمع لها، ويستغل نفوذه لدى الحكومة الأميركية لضمان احترام حقوق جميع الفرق المتأهلة، وأفراد الطواقم، والإعلام، والمشجعين، بصرف النظر عن الجنسية أو الهوية الجندرية أو الدين أو الرأي؟ أم سيُصرّ على السير في نهج الغرور كصديقه ترامب، ويستمر بالابتسام على الهامش"؟