طارق ترشيشي- خاصّ الأفضل نيوز
بعد أيام يستقبل لبنان الموفد الرئاسي الأميركي توم براك في زيارة ثالثة ربما تكون الأخيرة إن فشلت مهمته، أو تفتح الباب أمام زيارات لاحقة إن نجح في الاتفاق مع المسؤولين اللبنانيين على حل ينهي حالة الحرب في الجنوب بإلزام إسرائيل بوقف خرقها المتمادي لاتفاق وقف إطلاق النار، والقرار الدولي 1701، حيث بلغ حجم الخروقات منذ 27 تشرين الثاني الماضي، وحتى الآن أكثر من 2800 خرق.
وفيما تستبعد الأوساط المعنية إمكانية التوصل إلى اتفاق، خصوصًا في ضوء الأحداث الجارية في سوريا وما تتركه من انعكاسات على لبنان، بدا واضحًا من المهلة التي حددها الرد الأميركي على الورقة الرئاسية لحصر السلاح بيد الدولة حتى نهاية السنة كأقصى حد، هي أيضًا مهلة للولايات المتحدة الأميركية نفسها ولإسرائيل، لاستمكال مشروعهما للقضاء على حزب الله، ولتهيئة الظروف لدفع لبنان إلى التطبيع مع إسرائيل، إلى جانب السلطة السورية الجديدة التي يبدو أنها قطعت أشواطًا طويلة في اتجاه التطبيع مع الدولة العبرية، وأن المفاوضات الجارية بين الجانبين في باكو عاصمة أذربيجان، وغيرها تحضر نصوص الاتفاق المزمع توقيعه بينهما.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن هذا الاتفاق، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاء سيعقد بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستبدأ في 9 أيلول المقبل في نيويورك.
وخلافًا لكل ما شاع فإن الرد الأميركي تضمن، حسب أوساط رسمية، طلبنا من السلطة اللبنانية أن تحدد مهلة واضحة لموضوع نزع السلاح وحصره بيد الدولة، وتتعهد بالتزامها بدقة على أن لا تتجاوز هذه المهلة نهاية السنة، بحيث يحصل الانسحاب الإسرائيلي وترسيم الحدود ونزع السلاح بيد الدولة على مراحل.
ومع أن هذا الرد الأميركي تضمن "ترحيباً" بمجموعة من البنود الواردة في الرد اللبناني الأخير، فإن الرد الجديد الذي أعده الرؤساء الثلاثة والذي سيسلمونه لبراك عند عودته، يشدد على أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق الأسرى المدخل لتطبيق آلية الحل، الذي يتفق عليه لأن لبنان يعتبر نفسه أنه التزم بكل ما توجب عليه في منطقة جنوب الليطاني فيما إسرائيل لم تلتزم بشيء بعد.
ويشدد الرد اللبناني أيضاً على التمسك بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني الماضي ويرفض استبداله باتفاق جديد مثلما طرح براك في زيارته السابقة بحجة أن الاتفاق القائم فشل، ملقيًا اللوم في فشله على لبنان وإسرائيل، فيما الأخيرة تتحمل المسؤولية عن هذا الفشل وكذلك لجنة المراقبة الخماسية ذات الرئاسة الأميركية التي شكلت بضمان أميركي ـ فرنسي.
وفي انتظار عودة براك، الذي كان حذر لبنان من الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ومن "العودة إلى بلاد الشام" في حال لم ينزع سلاح حزب الله، فإن هناك مخاوف كثيرة تقض مضاجع اللبنانيين من إقدام إسرائيل على جولة من التصعيد العسكري العنيف، في إطار الضغط على السلطة اللبنانية وعلى حزب الله تحديدًا لكي يقبل مرغمًا بنزع سلاحه ولا سيما منه السلاح الصاروخي الثقيل والطيرن المسير الذي ترى فيه الدولة العبرية تهديداً لأمنها.
كما أن هناك مخاوف لبنانية جدية من الوضع السائد على الحدود اللبنانية السورية الشرقية والشمالية، وقد ارتفع منسوب هذه المخاوف في ضو الأحداث الجارية في محافظة السويداء ومحيطها والتي أدت إلى استنفار سياسي لبناني على مختلف المستويات لمنع انتقالها إلى لبنان نتيجة طابع النزاع المذهبي الذي تتسم به.
في أي حال، فإن لبنان يستعد في هذه المرحلة لاستحقاقين مهمين وربما يكونان خطيرين، وقد يسبقهما حروب صغيرة ضمن الحروب الكبيرة التي تشهدها المنطقة: الأول استحقاق تمديد ولاية قوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب لسنة جديدة، وذلك قبل نهاية آب المقبل، حيث تنتهي ولايتها الحالية، وهذا التمديد هو الآن موضع أخذ ورد نتيجة وقف الأميركيين مساهمتهم المالية في موازنة هذه القوات، وكذلك الخلاف السائد بين إسرائيل، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي المشاركة في "اليونفيل" حول موضوع الدولة الفلسطينية، حيث أن الأوروبيين يؤيدون قيام هذه الدولة فيما إسرائيل ترفضها كليًّا وهي تعمل لضم قطاع غزة والضفة الغربية إليها بعد تهجير الغالبية الساحقة من سكانها الفلسطينيين لإقامة "إسرائيل الكبرى" من نهر الأردن إلى البحر المتوسط.
أما الاستحقاق الثاني والأخطر، هو توقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل مطلع أيلول المقبل، حيث يجري تحضيره في المفاوضات الجارية بين الجانبين في أذربيجان وغيرها، ويريده الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشدة كـ"نصر ديبلوماسي"، يمكنه من تعويم إدارته التي تراجعت شعبيتها بسبب ما اتخذه من قرارت داخلية وخارجية ارتدت سلباً عليها.