ماهر سلامة- جريدة الأخبار
منذ سنتين، عندما Ø§Ù†ÙØ¬Ø±Øª الأزمة ÙÙŠ لبنان، وعلى إثرها امتنعت قوى السلطة عن إصدار قانون لـ«Ø§Ù„كابيتال كونترول»ØŒ بدأ Ø§Ù„ØØ¯ÙŠØ« عن تهريب الأموال إلى الخارج باعتبارها أموالاً منهوبة. ولم يطل الأمر قبل أن ØªÙØ·Ø±Ø القضية ÙƒØ£ØØ¯ الØÙ„ول للأزمة. لكنّ التجارب السابقة ØÙˆÙ„ العالم، تظهر أن استعادة الأموال المنهوبة أمر معقّد وصعب. Ùلا يمكن Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ø§Ø³ØªØ±Ø¯Ø§Ø¯ من دون إرادة سياسية داخلية موØÙ‘دة ÙÙŠ ظل أركان الØÙƒÙ… التقليديين على قمّة هرم السلطة. ÙˆØØªÙ‰ إذا توÙّرت الإرادة ÙØ¥Ù† الطريق طويل
ØªÙØ¹Ø¯Ù‘ سرقة الأموال العامة من أكبر المشاكل البارزة التي تعاني منها الدول النامية. ÙØ¨ØØ³Ø¨ مكتب الأمم Ø§Ù„Ù…ØªØØ¯Ø© المعنيّ ÙÙŠ المخدرات والجريمة، تÙقدّر قيمة الأموال المسروقة أو المهدورة الناتجة من Ø§Ù„ÙØ³Ø§Ø¯ ÙÙŠ القطاع العام، بما ÙŠÙØ±Ø§ÙˆØ بين 20 مليار دولار Ùˆ40 مليار دولار سنوياً. تكش٠هذه الأرقام عن ØØ¬Ù… هذه المشكلة التي لا ØªÙ†ØØµØ± Ø¨Ø§Ù„ÙƒÙ„ÙØ© المباشرة Ù„Ù„ÙØ³Ø§Ø¯ على الاقتصاد، بل تمتدّ Ù†ØÙˆ ÙƒÙ„ÙØ© التأثير السلبي على الثقة بالمؤسسات العامة وهروب الاستثمارات Ù†ØÙˆ أسواق أكثر أماناً. ويضا٠إلى ذلك أن استعادة الأموال المنهوبة ليست عملية سهلة. نجاØÙ‡Ø§ رهن تعاون الدول التي وصلت الأموال إلى مصارÙها وأسواقها، ÙØ¶Ù„اً عن إرادة سياسية داخلية جاهزة لإجراء Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§ØØ§Øª القانونية والإدارية التي تساعد ÙÙŠ تسريع استعادة الأموال. هذه العقبات ظهرت ÙÙŠ عمليات مماثلة ØØµÙ„ت ÙÙŠ الÙيليبين والبيرو ونيجيريا.
عوامل تسهّل عمليات النهب
هناك عدّة عوامل تسهم ÙÙŠ تسهيل عمليات نهب الأموال العامّة. أهم هذه العوامل غياب Ø§Ù„Ø´ÙØ§Ùية عن عمل الØÙƒÙˆÙ…ات، ما يؤدي إلى تناقص المساءلة ÙˆØ§Ù„Ù…ØØ§Ø³Ø¨Ø© الجدية الرسمية والشعبية للØÙƒÙˆÙ…ات. وهذا الأمر ÙŠÙØªØ المجال أمام الجهات المسؤولة لاتخاذ القرارات، التي تتضمن صÙقات النهب والرشاوى، من دون الخو٠من Ø§Ù„Ù…ØØ§Ø³Ø¨Ø©. Ø¨Ø§Ù„Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© إلى ذلك، تسهّل القنوات Ø§Ù„Ù…ØªØ§ØØ©ØŒ عملية تهريب هذه الأموال المنهوبة إلى خارج البلاد، ÙˆØªÙØªØ الطريق أمام الناهبين Ù„Ø¥Ø®ÙØ§Ø¡ الأموال المسروقة، الأمر الذي يشكّل ØØ§Ùزاً للنهب. Ùيمكن تØÙˆÙŠÙ„ الأموال إلى بلدان Ùيها مصار٠تتمتع بالسريّة المصرÙية، أو يمكن إخراجها إلى شركات وهمية ÙÙŠ Ø±ØØ§Ø¨ الملاذات الضريبية ويصعب تتبّعها. وبهذا تتوÙّر أدوات تغطية أعمال النهب، وهي غياب Ø§Ù„Ø´ÙØ§Ùية وسهولة Ø¥Ø®ÙØ§Ø¡ الأموال المسروقة، وأدوات تهريبها إلى الخارج.
صعوبات الاستعادة
تظهر التجارب التي ØªÙØ¹ØªØ¨Ø± Ù†Ø§Ø¬ØØ© ÙÙŠ مجال استعادة الأموال المنهوبة أن العقبات التي تواجه هذه العملية كثيرة ومتنوّعة. هناك عوامل يجب أخذها ÙÙŠ الاعتبار عند التخطيط لاستعادة هذه الأموال. وأبرز هذه العوامل أن العملية ØªØØªØ§Ø¬ إلى وقت طويل وصبر لضمان نجاØÙ‡Ø§ØŒ أو ØØªÙ‰ Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ø¬Ø²Ø¦ÙŠØŒ ورغم كل ذلك ÙØ¥Ù† Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ø³ØªØ¹Ø§Ø¯Ø© الأموال قد لا يعني استعادتها بشكل كامل.
ولأن عملية استعادة الأموال المنهوبة تستغرق وقتاً طويلاً، ÙØ¥Ù†Ù‡Ø§ تتطلّب تØÙ…ّل الكثير من البيروقراطيّة، سواء كانت ÙÙŠ البلد «Ø§Ù„منهوب» أو ÙÙŠ البلاد التي توجد Ùيها الأموال المنهوبة والمهرّبة. ÙØ§Ù„مراسلات والطلبات والردّ عليها بين الأطرا٠المعنية تستهلك وقتاً طويلاً وإجراءات كثيرة.
كما أن هذه العمليّة ØªØØªØ§Ø¬ إلى الدخول ÙÙŠ قضايا ÙˆÙ…ØØ§ÙƒÙ…ات قد تستغرق سنوات لتتم تسويتها من قبل غر٠التØÙƒÙŠÙ… أو Ø§Ù„Ù…ØØ§ÙƒÙ… العادية. Ùمثلاً امتدّت جهود استعادة الأموال ÙÙŠ الÙيليبين لمدّة 18 عاماً، من عام 1986 ØØªÙ‰ عام 2004ØŒ قبل أن تÙكلّل بالنجاØ. وتضمّنت هذه المدّة جولات من الأخذ والرد بين ØÙƒÙˆÙ…Ø© الÙيليبين والسلطات السويسرية ØÙˆÙ„ تجميد أموال الرئيس السابق ÙØ±Ø¯ÙŠÙ†Ø§Ù†Ø¯ ماركوس وتØÙˆÙŠÙ„ معلومات عن ØØ³Ø§Ø¨Ø§ØªÙ‡ ÙÙŠ المصار٠السويسرية وصولاً إلى تØÙˆÙŠÙ„ الأموال إلى الÙيليبين. وامتدّت عملية استعادة الأموال إلى نيجيريا Ù†ØÙˆ 8 سنوات، بين عامَي 1998 Ùˆ2006ØŒ ØØªÙ‰ استعادت الدولة بعضاً من الأموال التي نهبها الجنرال ساني أباتشا خلال ØÙƒÙ…Ù‡ لنيجيريا لمدة خمس سنوات بين عامَي 1993 Ùˆ1998.
ولا يمكن أن تتØÙ‚ّق استعادة الأموال من دون ØªÙˆÙØ± الإرادة السياسية الداخلية ÙÙŠ الدولة ØµØ§ØØ¨Ø© القضية. سلوك هذا الطريق يبدأ بهذه الإرادة التي يجب أن تكون كاملة، لأن القرار الداخلي يمتدّ على جميع مراØÙ„ هذه العمليّة. وتظهر التجارب السابقة أن الدول Ø¨ØØ§Ø¬Ø© إلى الاستعداد للقيام Ø¨Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§ØØ§Øª القانونية لتضمن Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ø³ØªØ¹Ø§Ø¯Ø© الأموال ÙˆÙ…ØØ§ÙƒÙ…Ø© الناهبين. Ùمثلاً كان إدخال Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§ØØ§Øª القضائية ÙÙŠ البيرو أمراً أساسياً ÙÙŠ Ù†Ø¬Ø§Ø Ø¹Ù…Ù„ÙŠØ© استعادة الأموال. كما كان مرسوم الجنرال أبو بكار الرقم 53 ÙÙŠ عام 1999 ÙÙŠ نيجيريا والذي أدى إلى مصادرة ما يقارب 800 مليون دولار من الأصول التي سرقها أباتشا وأعوانه، ØØ¬Ø±Ø§Ù‹ أساساً ÙÙŠ Ù†Ø¬Ø§Ø Ù‡Ø°Ù‡ العملية.
كذلك، يمثّل العامل الخارجي ØªØØ¯ÙŠØ§Ù‹ كبيراً أمام الدول التي تسعى لاستعادة أموالها. ÙØªØ¹Ø§ÙˆÙ† الدول التي ØªØØªØ¶Ù† الأموال المنهوبة المهرّبة، أمر أساسي. ÙØ¥Ø°Ø§ لم تبد٠هذه الدول استعدادها للتعاون، يمكن أن ÙŠÙØ³Ø¬Ù‘Ù„ ÙØ´Ù„ سريع ÙÙŠ عملية الاستعادة، أو على الأقل تأخيرها. وهذا ما ØØ¯Ø« مع الÙيليبين التي قدّمت طلباً للمساعدة المتبادلة مع إدارة الشرطة الÙيدرالية السويسرية بموجب Ø£ØÙƒØ§Ù… قانون المساعدة الدولية المتبادلة ÙÙŠ المسائل الجنائية (IMAC). لم يتم قبول هذا الطلب من قبل السلطات السويسرية، على أساس أنه «ØºÙŠØ± Ù…ØØ¯Ù‘د وعام»ØŒ وهو ما لعب دوراً كبيراً ÙÙŠ التأخير الكبير (18 سنة) الذي عانت منه عملية استرداد أموال الÙيليبين. إلا أن هذا التعاون تطوّر أكثر مع الوقت، وهو ما ظهر ÙÙŠ ØØ§Ù„ات البيرو ونيجيريا ØÙŠØ« بدأت سويسرا تتعاون بشكل أسرع مع طلبات هذه الدول بتجميد الأموال الملاØÙ‚Ø© مثلاً. لكنّ هذا الموضوع لا يزال يشكّل عائقاً، ØØªÙ‰ لو بشكل أقل من السابق، لأن طلبات إعطاء المعلومات عن Ø§Ù„ØØ³Ø§Ø¨Ø§Øª المجمّدة، على سبيل المثال، لا تلقى تجاوباً سريعاً.
ØØªÙ‰ لو Ù†Ø¬ØØª عملية استرجاع الأموال، Ùهي لا تعني استرداد كامل الأموال المنهوبة. ويعود ذلك إلى تعدّد قنوات التهريب التي قد لا يمكن تتبّع بعضها. Ùقد Ù‡ÙØ±Ø¨Øª بعض الأموال نقداً ÙÙŠ الØÙ‚ائب، Ø¨Ø§Ù„Ø¥Ø¶Ø§ÙØ© إلى تهريبها عبر شركات وهمية (shell companies) مقرّاتها ÙÙŠ ملاذات ضريبية، وهي التي ØªÙØ³ØªØ¹Ù…Ù„ عادةً ÙÙŠ التهرّب الضريبي. هذه الطرق صعبة التتبّع ولا يمكن السيطرة عليها. ÙÙÙŠ نيجيريا، تÙقدّر الأموال التي نهبها أباتشا من المال العام ما بين 3 Ùˆ5 مليارات دولار، إلا أن السلطات هناك لم تستطع استرداد أكثر من 800 مليون دولار من الداخل Ùˆ505 ملايين من الخارج. أما ÙÙŠ البيرو ÙØªÙقدّر سرقة الرئيس السابق Ùوجيموري وأعوانه بنØÙˆ 2 مليار دولار Ø§Ø³ØªÙØ±Ø¯Ù‘ منها Ùقط 185 مليون دولار. ÙˆÙÙŠ الÙيليبين تÙقدّر سرقة ماركوس بين 5 مليارات Ùˆ10 مليارات دولار Ø§Ø³ØªÙØ±Ø¯Ù‘ منها Ùقط 624 مليون دولار.
ØªØØ¯Ù‘يات ما بعد استرداد الأموال
Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø ÙÙŠ استرداد الأموال المنهوبة إلى كن٠الدولة، لا يعني Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø ÙÙŠ الخطوة التالية. ÙØ§Ù„ØªØØ¯ÙŠ ÙŠÙƒÙˆÙ† ÙÙŠ التخطيط لاستعمال هذه الأموال وخلق عائدات تعود Ø¨Ø§Ù„Ù†ÙØ¹ على المجتمع والاقتصاد بشكل عام. ÙÙÙŠ ØØ§Ù„Ø© مثل ØØ§Ù„Ø© لبنان، يمكن أن ØªÙØ³ØªØ¹Ù…Ù„ الأموال المسترجعة، ÙÙŠ سيناريو مثالي، كأموال إضاÙية يمكن وضعها ÙÙŠ خطة شاملة لتØÙيز الاقتصاد ودعم القطاعات المنتجة. ويمكن Ø§Ù„Ø§Ø³ØªÙØ§Ø¯Ø© من التجارب «Ø§Ù„Ù†Ø§Ø¬ØØ©» ÙÙŠ استرجاع الأموال، من خلال دراسة الخطط التي أعدّتها ونÙّذتها الدول التي خاضت التجربة، وما ÙØ¹Ù„ته بعد استرداد الأموال. ÙØ§Ù„خطوة الأولى كانت بإنشاء صناديق خاصّة بهذه الأموال المستردّة وتوجيهها Ù†ØÙˆ هد٠معيّن. مثلاً، ÙÙŠ الÙيليبين أنشأت الØÙƒÙˆÙ…Ø© «ØµÙ†Ø¯ÙˆÙ‚ Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§ØØ§Øª الزراعية» وكان الهد٠منه تمويل البرامج الزراعية ÙÙŠ البلد. ÙˆÙÙŠ البيرو أنشأت الدولة صندوق «Ø§Ù„إدارة الخاص بالأموال Ø§Ù„Ù…ØªØØµÙ‘Ù„ عليها بطرق غير مشروعة على ØØ³Ø§Ø¨ الدولة»ØŒ وكان الهد٠منه توÙير إطار من شأنه أن ÙŠØ³Ù…Ø Ø¨Ø¥Ø¯Ø§Ø±Ø© مناسبة ÙˆØ´ÙØ§ÙØ© لعائدات Ø§Ù„ÙØ³Ø§Ø¯ التي استردّتها الدولة. أما ÙÙŠ نيجيريا، Ùقد تم توجيه الأموال من خلال القنوات التقليدية ÙÙŠ موازنة الØÙƒÙˆÙ…ة، وكان من Ø§Ù„Ù…ÙØªØ±Ø¶ استعمالها ÙÙŠ إطار تطوير الخدمات مثل الصØÙ‘Ø© والتعليم والبنى Ø§Ù„ØªØØªÙŠØ© ÙÙŠ المناطق الريÙيّة.
هذه التجارب أثبتت أن غياب المراقبة ÙˆØ§Ù„Ø´ÙØ§Ùية قد يؤدّي مجدداً إلى الهدر ÙˆØ§Ù„ÙØ³Ø§Ø¯. ÙÙÙŠ ØØ§Ù„Ø© البيرو، كان توزيع الأموال موضع شكّ، إذ إنه لم يكن مخطّطاً بشكل مسبق ÙˆØªÙØµÙŠÙ„ÙŠ. ÙØ¹Ù„Ù‰ سبيل المثال تلقّت وزارة الداخلية 9 ملايين دولار ÙˆØ§Ø³ØªÙØ¹Ù…لت لتمويل إجازات لشخصيات من الشرطة. كما ØØµÙ„ هذا ÙÙŠ ØØ§Ù„Ø© الÙيليبين ØÙŠØ« إن لجنة التدقيق Ù„ØØ¸Øª أن جزءاً كبيراً من الأموال المستردّة Ø§Ø³ØªÙØ¹Ù…Ù„ ÙÙŠ تمويل Ù…ÙØ±Ø· لأعمال كان هناك شك ÙÙŠ مدى ÙØ§Ø¦Ø¯ØªÙ‡Ø§ على القطاع الزراعي.