كمال ذبيان - خاص الأفضل نيوز
زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى فرنسا، ولقاؤه مع الرّئيس مانويل ماكرون، طرحت سؤالًا حول توقيتها وأهدافها، حيث حضر أيضًا إلى "الأليزيه" قائد الجيش العماد جوزف عون؟
ففرنسا منذ عمليّة "طوفان الأقصى" التي قامت بها "كتائبُ القسّامِ" التّابعة لحركة "حماس" في ٧ تشرين الأول الماضي، ودخول "حزب الله" مساندًا لها في اليوم التالي، مع بدء العدوان على غزة، تحرّكت باريس لوقف المواجهة العسكريّة في الجنوبِ بين "حزب الله" والعدوّ الإسرائيليِّ، وتوسّعها إلى كلّ لبنان، في وقت كان الرئيس الفرنسي يقف إلى جانب الكيان الصّهيوني في الدّفاعِ عن نفسه، كما فعلت أميركا ودول أخرى، أعطوا إشارة المرور لرئيس الحكومة الإسرائيليّةِ بنيامين نتنياهو لشنِّ الحرب والقضاء على حركة "حماس" التي صنّفوها "إرهابية".
فلم تتحرّك فرنسا لوقف الحرب على غزّة، التي بسببها اشتعلت جبهة الجنوبِ في بقعة جغرافية محدّدة، لا يتعدّى عمقها نحو ٧ كلم، لكن العدوّ الإسرائيليّ هو الذي كان يوسّعها، في حين أنّ "حزب الله" التزم قواعد الاشتباك في إشغال جيش الاحتلالِ في شمال فلسطين المحتلّةِ، لمنع الضّغطِ العسكري عن غزة، التي صمدت بوجه الآلة العسكرية الإسرائيليّة وما زالت مع مرور نحو سبعة أشهر على الحرب، التي لم تحقّق أهدافها بالقضاءِ على المقاومةِ الفلسطينيّة وتحرير رهائن إسرائيليّين، بل كل ما أنجزه الجيش الإسرائيليّ هو تدمير القطاع وقتل نحو ٤٥ ألف مواطن فلسطينيّ.
ولا تعتبر فرنسا حياديّة في الصّراع مع العدوِّ الإسرائيليِّ، لا في فلسطين ولا في لبنان، بل هي التزمت أمن "الدولة العبريّة" فطرحت على لبنان حلًّا يقوم بتطبيق القرار ١٧٠١، الذي ينصّ على انسحابِ "حزب الله" من "الشّريط الحدودي" شمال الليطاني وانتشار الجيش اللبناني مع "القوات الدوليّة".
هذا الاقتراح الذي تحوّل إلى ورقة فرنسيّة، هو ما تطلبه الحكومة الإسرائيليّة، وادّعت أنها أعطت الوقت للحلّ السّياسي والدبلوماسي، قبل أن تنفّذ عمليّة عسكريّة في لبنان، على غرار ما قام به جيش العدو عام ١٩٧٨، عندما أبعد المقاومة الفلسطينيّة وحلفاءها من الأحزاب الوطنية إلى شمال الليطاني، وهو المشهد الجديد الذي يريد أن يفرضه العدوّ الإسرائيليّ ولكن من خلال الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل".
لكنّ الطّرح الفرنسي الذي يقارب الطلب الإسرائيليّ، لم يلق قبولًا من "حزبِ اللّه" الذي يخشى من أن يكون ذلك مدخلًا لإنهاء المقاومة في لبنان، وتحويل الجيش إلى "حرس حدود" الكيان الصّهيوني، ويقع في مواجهة مع أبناء القرى المحتضنين للمقاومة، وقد سقط منهم نحو أكثر من ٢٥٠ شهيدًا غالبيتهم من البلدات والقرى عند تخوم الحدود مع فلسطين المحتلة.
وتحاول فرنسا ومعها دول أخرى لا سيما أميركا، تطبيق مبادرتها أو ورقتها بالتّنسيق مع لبنان، الذي يعلن المسؤولون فيه، أنهم مع تطبيق القرار ١٧٠١، لكن ينقصه الالتزام الإسرائيليّ به، حيث سُجّل نحو آلاف الخروقات الإسرائيليّة للسّيادةِ اللبنانيّة، حيث لم يضمن القرار ٤٢٥ الذي صدر في آذار ١٩٧٨، من أن يقوم العدوُّ الإسرائيليّ بغزو لبنان عام ١٩٨٢ بحضور القوات الدوليّة وأمام أعين ضباطها وجنودها.
فالزّيارة الفرنسية للرئيس ميقاتي ومعه قائد الجيش، بحثت في آليّة تنفيذ القرار ١٧٠١ من الجانب اللبناني، الذي ينصّ على وجود ١٥ ألف ضابط وجنديّ لبنانيّ مع القواتِ الدوليّةِ التي توازيه بالعدد، حيث لا يمكن للجيش اللبناني أن يموّل هذا العدد في ظلّ أزمته الماليّة، إضافة إلى التّجهيزات اللوجستية، حيث قرّرت باريس فتح باب دعم الجيش بالمال والتّجهيز، لوضع القرار ١٧٠١ على سكة التنفيذ.
لكن لم يتم البحث في الزيارة عن الضمانات التي سيحصل عليها لبنان، لمواجهة أيّ عدوان إسرائيليٍّ، لأنّ القرار ١٧٠١ وقبله اتفاقية الهدنة لم يلحظا تسليح الجيش، الذي يقابله جيش مدجّج بالسّلاح، ومعه مستوطنون هم جنود احتياط، في وقت لم يسمح للبنان دوليًّا، بأن يتسلّح جيشه، وهذا ما شكّل خلافًا لبنانيًّا منذ عقود حول دور الجيش وعقيدته القتالية.
لذلك فإنّ زيارة ميقاتي الفرنسية إذا كانت لتطبيق القرار ١٧٠١، والتمهيد له، بتزويد الجيش بما يحتاجه من مال وسلاح، فإنّها تكون منقوصة، بعد الذي حصل في غزّة، وما يكشف عنه قادة العدوِّ من مشاريع تطابق العقيدة التوراتية - التلمودية بالحرب والإجرام والإبادة والتوسع والاستيطان، وهذه الخطط الصهيونية، ليس لبنان بعيدًا عنها، ولا يمكن الركون إلى القرار ١٧٠١، الذي صدر في ظرف معين أثناء حرب ٢٠٠٦، إنما بعد حرب غزّة ومواجهات الجنوبِ، فإن هذا القرار يجب تعديله وفق مصادر المقاومة، التي لولا قوتها، لم يتحقّق الصّمود للوصول إلى الانتصار.