د. علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
في الوقت الذي تحشد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أساطيلها وتكدّس أسلحتها في قواعدها المنتشرة في المنطقة العربية وجزيرة قبرص، استعدادًا للدفاع عن الكيان الغاصب، في مواجهة تهديدات طهران وحزب الله بالرّدِّ على اغتيال القائدين الكبيرين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، تعمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدوء وروية (وبعيدًا عن نظريات الحماسية الشعبوية لأصحاب الرؤوس الحامية والمشتعلة المطالبة بالإسراع لضرب إسرائيل) على تعزيز قدراتها العسكرية الفضائية بالتعاون مع جمهورية الصين الشعبية.
وتبعًا لذلك، كشف مسؤولون أمنيون غربيون أن إيران تسعى إلى إقامة شراكات مع شركتين صينيتين للأقمار الصناعية بهدف توسيع قدرتها على المراقبة عن بعد وجمع المعلومات الاستخبارية، بما في ذلك الحصول على صور عالية الدقة لأهداف عسكرية في إسرائيل وجميع أنحاء الشرق الأوسط.
إيران وتطوير قدرات المراقبة العسكرية لأقمارها الصناعية
من المعروف أنّ العلاقات الصينية - الإيرانية شهدت في السنوات الماضية تطورًا ملحوظًا وتحوّلًا نوعيًّا على كافة الصعد، لا سيما الاقتصادية والعسكرية.
وقد شمل هذا التواصل في الأشهر الأخيرة تبادل الزيارات بين العديد من الوفود، لا سيما بين الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والشركات الصينية، وكلاهما يصنعان ويشغلان أقمارًا صناعية للاستشعار عن بعد مزودة بكاميرات متطورة، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين وشرق أوسطيين اطّلعوا على تقارير استخباراتية تحدثت عن هذه الاجتماعات.
وبناءً على ذلك، استنفر الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، أجهزته الاستخباراتية لمتابعة جهود إيران عن كثب، وسط مخاوف من أن أي اتفاق قد ينجم عن هذه الشراكة قد يتيح لإيران تحسين قدرتها بشكل كبير على التجسس على القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، بالإضافة إلى منشآت خصومها العرب في الخليج الفارسي، بحسب مسؤولين أمريكيين تحدثوا لصحيفة "الواشنطن بوست" وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المعلومات الاستخباراتية الحساسة.
وما يزيد الطين بلّة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، هو أن الشركتين تقدمان نوعًا من الأقمار الصناعية المجهزة بمعدات بصرية تتسم بالحساسية أكثر من ضعف حساسية أقوى الأقمار الصناعية التي تشغلها إيران.
الجدير بالذكر أن هذه الزيارات تأتي استكمالًا لاتفاق التعاون السياسي والاقتصادي بين بكين وطهران، والذي تم توقيعه لمدة 25 عامًا من قبل وزيري خارجية البلدين قبل ثلاث سنوات.
وكانت إيران أيضًا قد طلبت سابقًا المساعدة من روسيا في تطوير شبكة من الأقمار الصناعية للمراقبة التي تسيطر عليها طهران، وقد توسع هذا التعاون مع تزايد اعتماد روسيا على إيران كمورد للطائرات المسيرة الهجومية المستخدمة في حربها ضد أوكرانيا.
ما هي الأهداف التي تسعى إيران لتحقيقها من وراء هذا التعاون؟
حذّر تقييم استخباراتي أمريكي سري اطلعت عليه صحيفة "الواشنطن بوست" من أن الاتفاق مع الصين قد يزود إيران بقدرات استهداف محسنة وأكثر دقة لترسانتها من الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى أنظمة الإنذار المبكر لاكتشاف الهجمات الوشيكة. ونتيجة لذلك، (وفقًا للوثيقة) قد تصبح إيران في موقع يمكنها من تقديم المعلومات الاستخباراتية المستمدة من الأقمار الصناعية إلى حلفائها (الحوثيين) في اليمن - الذين استهدفوا بهجمات صاروخية الشحن التجاري في البحر الأحمر - أو إلى سوريا والعراق، المسؤولين عن الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. وذكرت الوثيقة أن إيران قد زوّدت هذه الجماعات سابقًا بصور أقمار صناعية تم شراؤها من الصين.
ومن هي الشركات الصينية التي تتعامل معها إيران؟
عمليًّا، وصفت الوثيقة الاستخباراتية في تقييمها العلاقة بين طهران وإحدى الشركات الصينية التي تدعى "تشانغ جوانغ لتكنولوجيا الأقمار الصناعية" بالمزدهرة، على خلفية الزيارات المتبادلة والإقامات الطويلة لعاملين ومسؤولين من الحرس الثوري الإيراني في الصين. تتخذ شركة تشانغ جوانغ من تشانغتشون في مقاطعة جيلين شمال شرقي الصين مقرًّا لها، وهي تصنع أقمارًا صناعية صغيرة منخفضة التكلفة تُعرف بـ "كيوبيسات" مزوّدة بمعدات بصرية قادرة على إنتاج صور بدقة تصل إلى 30 سنتيمترًا، وهي قدرة تعادل تلك الخاصة بأكثر شركات الأقمار الصناعية التجارية تقدمًا في الولايات المتحدة وأوروبا. بينما يُنتج قمر خيام الإيراني صورًا بدقة تصل إلى حوالي متر واحد.
أكثر من ذلك، أشار التقييم الأمريكي إلى أن المسؤولين الإيرانيين يسعون أيضًا إلى إبرام ترتيبات تجارية مع شركة MinoSpace Technology ومقرها بكين، والتي تصنع أقمار الاستشعار عن بُعد من سلسلة Taijing، وشاركوا في تبادل الوفود معها. والأهم من ذلك، أنه لا تخضع أي من الشركات الصينية لعقوبات اقتصادية أمريكية أو دولية.
التعاون التاريخي بين الصين وإيران
في الواقع، تُعدّ الصين واحدة من أهم الشركاء العسكريين لإيران تاريخيًا. وقد علّقت معظم مبيعات الأسلحة إلى طهران حوالي عام 2005، وذلك بعد أن شددت الدول الغربية العقوبات بسبب برنامج إيران النووي الذي كان يتوسع بسرعة آنذاك. لاحقًا تحسنت العلاقات مع بكين تدريجيًّا على مدى العقد الماضي، بدءًا من اتفاق صيني في عام 2015 لتزويد إيران بتقنية الملاحة عبر الأقمار الصناعية، مما سمح لطهران بتحسين دقة صواريخها وطائراتها المسيرة.
ليس هذا فحسب، فواشنطن ترجّح أن العديد من المكونات الإلكترونية للطائرات الإيرانية مصدرها الصين. وعليه، بموجب الاتفاق المبرم في عام 2021، التزم البلدان بإجراء تدريبات مشتركة وتطوير مشترك للطائرات الثابتة الجناحين والمروحيات في المستقبل.
أكثر ما يثير حيرة الغرب وأمريكا هو عدم فهم السلوك الصيني المتغير. فبكين، التي تسعى حاليًّا لترقية تحالفها مع طهران، كانت معروفة بحذرها بشأن تقديم نوع المساعدات العسكرية التي قد تؤجّج التّوتّرات مع جيران إيران أو تؤدّي إلى فرض عقوبات دوليّة على الشركات الصينية. كما بدت الصين متنبّهة من أيّ حركة أو تصرّف قد يُسهم في تصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط، ويؤدي بالتالي إلى إغلاق الممرّات البحريّة الحيويّة لناقلات النفط في الخليج.
وتعقيبًا على ذلك، قال غاري سامور، المستشار السابق البارز في مجال ضبط الأسلحة في إدارات كلينتون وأوباما ومدير "مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديز": "من المحتمل تمامًا أن تعمل الشركات الصينية مع إيران على تكنولوجيا المراقبة، لأن ذلك لا يُعتبر نفس الشيء كما لو كانت تقدم أسلحة، من وجهة نظر صينية." وأضاف: "تحاول الصين البقاء بعيدة عن السياسة، والشرق الأوسط هو مصدر للنفط والغاز، ولا يريدون أن يضروا بعلاقاتهم مع السعوديين والإماراتيين."
وانطلاقًا مما تقدم، تبرر الصين خطواتها تلك مع إيران بأن لديها غطاءً مدنيًّا مشروعًا لمساعدة برنامج الفضاء الإيراني، نظرًا لأن الأقمار الصناعية للمراقبة لها استخدامات غير عسكرية عديدة، مثل مراقبة البيئة والاستجابة للكوارث.
في المحصّلة، بالرّغم من هذه الشراكة مع الصين، تبقى موسكو أكبر داعم لبرنامج الفضاء المتنامي لإيران. فقد أطلقت روسيا على الأقل قمرين صناعيين إيرانيين للمراقبة إلى المدار منذ عام 2022، بما في ذلك قمر بارس-1 للمراقبة عن بُعد، الذي تم إرساله إلى الفضاء في فبراير/شباط الفائت على متن صاروخ روسي من طراز "سويوز-2". كذلك، نجحت إيران في إرسال أربعة أقمار صناعية في يناير/كانون الثاني الماضي، باستخدام صواريخها الخاصة.
كانت ثلاثة منها أقمارًا صناعية مخصّصة للاتصالات، بينما كان القمر الرابع مخصّصًا للمراقبة عن بُعد، وتديره قوة الحرس الثّوري الإيراني.