محمد علوش - خاصّ الأفضل نيوز
صدقت الدول الخليجية والأردن مع إيران ورفضت استخدامها في استهداف الجمهورية الإسلامية من قبل إسرائيل، لذلك كانت الضربات الإسرائيلية من فوق العراق وما أصابته من أهداف كان على الحدود العراقية الإيرانية، وهذه من الأمور الإيجابية التي ظهرت بعد الضربة الإسرائيلية، لكنها ليست الوحيدة، فماذا في خلفيات الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
نفذت إسرائيل هجومها ولم تنفذ وعدها وما صرحت به طيلة المرحلة الماضية من كلام عن استهداف قاس ومؤلم ومؤثر، ولكن يمكن لإسرائيل أن تدّعي بأنها لم تسكت عن الهجوم الإيراني الكبير الذي حصل بعد اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، كذلك يمكن لإيران أن تقول أن هجومها الأخير على إسرائيل نجح بخلق حالة من التوازن والردع منعت إسرائيل من تخطي الخطوط الحمر، وجعلت ضربتها شكلية ورمزية، كما يمكنها القول أن دفاعاتها الجوية تحسّنت بشكل كبير بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، وفي ذلك بصمات روسية واضحة بعد أن تدخلت موسكو لدعم الدفاعات الجوية الإيرانية ،فهذه الدفاعات نجحت بإسقاط أعداد من المسيرات الصواريخ قبل وصولها إلى أهدافها في العمق الإيراني.
إذًا، يمكن لأي طرف أن يدّعي تحقيق الإنجاز، ويمكن لهما أيضاً الاكتفاء بما جرى، فنتنياهو رغم كل جنونه لم يمارس الجنون بالهجوم على إيران، لأسباب عسكرية وأخرى سياسية، فمن ناحية العسكر كان العائق الأساسي أمام ضرب النووي هو رفض الجيش الأميركي تقديم أي مساعدة جوية لإسرائيل وأي مشاركة بعمل عسكري هجومي في إيران، وعندما كان الجيش الإسرائيلي غير قادر على تنفيذ مخطط كهذا لوحده، تم التوجه نحو خيارات أخرى كالتي شاهدناها، كذلك من الناحية العسكرية لم تتمكن إسرائيل من إقناع دول عربية بالسماح لها باستخدام أجوائها في العملية العسكرية ما رسم مساراً عسكرياً واحدًا لإسرائيل لضرب الأهداف هو من فلسطين المحتلة إلى سوريا فالعراق، إذ يبدو لافتاً ضرب الأهداف من وسط العراق، وهو ما يدل على أن إسرائيل لم تتجرأ على الدخول أو الاقتراب من الأجواء الإيرانية، لأن أي ضرر تتعرض له طائرة مقاتلة إسرائيلية من الدفاعات الجوية الإيرانية المحسنة روسياً ستكون بمثابة الكارثة التي تُطيح بكل إنجازات إسرائيل وبكل سردية قوتها.
أما من الناحية السياسية، فيمكن القول أن حدود الضربة رُسمت أميركياً بدقة، فلم يتمكن نتنياهو من تخطي المرسوم له، كذلك كان لافتاً أن الأميركيين لم يتركوا الإيرانيين ليُصدموا بالهجوم، فكانت الأيام الماضية والتسريبات الأميركية التي يجري التحقيق بشأنها رسائل أساسية ومهمة استفادت منها طهران، لذلك يمكن القول أن الأميركيين أثبتوا مرة جديدة قدرتهم على خفض التصعيد في المنطقة، ومنع الوصول إلى حرب شاملة، ومن الناحية السياسية أيضاً يجب الوقوف عند قدرة طهران بعد زيارات وزير خارجيتها إلى الدول العربية، بالوصول إلى اتفاقات متينة من شأنها أن تُستثمر في المرحلة المقبلة لرسم مشهد جديد في المنطقة انطلاقاً من العلاقة مع الدول الخليجية.
كذلك في السياسة تمكن الروس من وضع ضغط كبير على نتنياهو بما يتعلق بالهجوم على إيران، ففي الأيام الماضية كانت المواقف الروسية العلنية وتلك المرسلة بالسر واضحة لإسرائيل بأن موسكو لا ترضى بضرب النووي الإيراني ولا ترضى بضربة كبيرة على طهران.
كل هذه الوقائع التي أثرت على حجم الضربة الإسرائيلية لطهران، تنتظر أن يتم استثمارها في إنهاء الحرب، وهو ما سيكون عنوان المرحلة المقبلة، رغم أن المفاوضين يدركون أن نتنياهو لن يتوقف بسهولة، وهو الذي يعول على وصول ترامب واستكمال محاولات إدخال الأميركيين بحرب مع الإيرانيين.