عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
تمخَّض جبل التهديدات الإسرائيلية لإيران فولد ضربة محدودة اقتصرت على بعض الأهداف العسكرية، من دون أن تصيب لا المنشآت النووية ولا المواقع النفطية ولا البنى التحتية ولا الشرايين الاقتصادية.
وبهذا المعنى، فإن التصريحات التهويلية الإسرائيلية التي سبقت الهجوم بدت أقوى منه بكثير، ولعل أشهرها ما صدر قبل فترة عن وزير الحرب يوآف غالانت الذي كان قد توعد إيران برد مميت بعد ضربتها الصاروخية للكيان، فإذا به يأتي باهتًا ولا يرقى إلى مستوى قرقعة التهديدات الصوتية!
ورغم محاولة قيادة العدو إعطاء طابع استعراضي للاعتداء على إيران من خلال توزيع صورة لنتنياهو وغالانت ورئيس الأركان وبعض كبار الضباط وهم يتابعون من قبو محصَّن في أسفل وزارة الحرب مجريات الهجوم أولاً بأول، إلا أن ما حصل على أرض الواقع أظهر أن لقطة المجتمعين في القبو تصلح لفيلم سينمائي أكثر من أي شيء آخر وأنها تفيض عن حجم الحدث بحد ذاته.
بل لعلَّه يمكن القول أن طهران هي التي ربحت معركة المؤثرات البصرية، إذ أن مشهد الهجوم الإيراني الذي عُرف بالوعد الصادق 2 كان أشد إبهارًا وأقوى وقعًا بعدما شاهد العالم مباشرة على الهواء نحو مئتي صاروخ وهي تنهمر على امتداد مساحة الكيان وتنفجر في الأماكن المستهدفة، بينما بدت صورة الرد الإسرائيلي شاحبة إلى درجة كبيرة.
هذا من حيث الشكل، أما في الجوهر، فقد بدا واضحًا أن واشنطن استطاعت ضبط إيقاع الضربة الإسرائيلية وتطويعها لمقتضيات المصالح الأميركية التي لا يناسبها اندلاع حرب إقليمية شاملة وتوسيع النزاع في هذه المرحلة، وذلك حرصًا على مصالح واشنطن في الإقليم وتفاديًا للانزلاق إلى مواجهة غير محسوبة، إضافة إلى أن إدارة جو بايدن لا تريد أن تخرج الأمور عن السيطرة قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الأميركية خشية من أي انعكاسات سلبية على نائبة الرئيس والمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس.
لكن المهم في هذا الاحتواء الأميركي لاندفاعة "الثور الإسرائيلي"نحو طهران، هو أنه ثَبَت بالدليل القاطع أن بايدن يستطيع، عندما يريد، الضغط جديًّا على نتنياهو وترويض طموحاته، وهو الأمر الذي لم يفعله خلال عام لفرض وقف إطلاق النار في غزة ولم يفعله أيضاً حتى الآن لإنهاء العدوان على لبنان، ما يعكس الشراكة الأميركية مع تل أبيب في حربها على غزة ولبنان والتماهي في الأهداف بينهما.
كيف ستتصرف إيران الآن؟
تؤكد الأدبيات الإيرانية أن طهران معنية من حيث المبدأ بالرد على الهجوم الإسرائيلي، بمعزل عن محدودية حجمه وخسائره، كونه يشكل اعتداء على السيادة الإيرانية وأدى إلى سقوط شهيدين في صفوف الجيش. لكن توقيت ومكان ووزن وشكل الرد تبقى خاضعة لحسابات حائك خيوط "سجادة" القرار في الجمهورية الإسلامية.
ويلفت المطَّلعون إلى أن الرد الإيراني قد يكون مباشرًا وقد يكون مواربًا، تبعًا لما تقتضيه متطلبات المواجهة المدروسة التي تخوضها إيران على قاعدة لا انفعال ولا انكفاء.