د. أكرم حمدان - خاص الأفضل نيوز
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الذي قضى بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، وارتكازه على"أسبابٍ منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، يطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات، خصوصاً حول المنظومات السياسية الدولية والإرث الذي انبنى بعد الحرب العالمية الثانية، ودور ومستقبل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وما إذا كانت الشرعية الدولية قادرة على حماية هذه المنظومات أم أن تحالف ترامب ـ نتنياهو سيقوم بدفنها؟!.
إن حيثيات القرار وما تضمنه من اتهام واضح لنتنياهو وغالانت بأنهما أشرفا على هجمات على السكان المدنيين، واستخدما التجويع سلاحا للحرب، إلى جانب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين في غزة، تُعتبر مهمة جداً لأنها تتهم نتانياهو وغالانت بالإبادة الجماعية، وبجرائم الحرب، لأن هذه التهم هي التي سبق أن ساقها الصهاينة ضد الحكم النازي، وبنوا عليها روايتهم للمحرقة، ثم جاؤوا إلى فلسطين ليرتكبوا الجرائم نفسها.
هذا يعني أن "طابخ السم آكله" وبالتالي سوف يأتي اليوم الذي يُحاسب فيه قادة هذا الكيان المزعوم والمصطنع، مهما طال الزمن وعلى الرغم من الشكوك الكبيرة حول تنفيذ القرار والجهود الحثيثة التي تُبذل لإبطاله أو تعطيله.
إن أهمية هذا القرار لا تنبع فقط من صدوره عن المحكمة الجنائية الدولية، التي لم تصدق حكومة الكيان على ميثاقها، ولم تنتمِ إليها، وإنما من كون الدول الموقعة على ميثاق إنشاء المحكمة، ملزمة بالتطبيق وتنفيذ الاعتقال.
كما أن هذا القرار كشف وعرًى وأدان الأنظمة العربية والإسلامية وحتى الدولية التي لا تزال عاجزة أو متواطئة مع العدوان على غزة ولبنان.
كما أن القرار سيضع حداً للسردية الصهيونية ومعها بعض الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، حول توصيف كل ما لا يتناسب معهم بأنه "مكافأة للإرهاب" و"معاداة للسامية" و"حق الدفاع عن النفس"، حيث سمعنا لغة التهديد والوعيد التي أطلقها مسؤولون في كيان الاحتلال وأمريكا، والتي وصلت حد التلويح باستخدام القوة،والتي برزت من خلال موقف مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للأمن القومي الذي توعد برد قاس خلال الفترة المقبلة، وكذلك ما اقترحاه (الإرهابيّان الصهيونيّان) سموتريتش وبن غفير، لجهة استكمال ضم الضفة الغربية وحلّ السلطة الفلسطينية.
كل هذا العويل، لن يمنع من أن هناك حقيقة باتت موجودة وهي أن على الدول الـ124 الأعضاء الموقعين على ميثاق روما والمنتسبين إلى نظام المحكمة، باتوا ملزمين باعتقال الإرهابيين المطلوبين دولياً نتنياهو وغالانت في حال سفر أي منهما إلى أي من الدول الأعضاء وتسليمهما إلى مقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.
إن وصف نتنياهو وغيره من قادة كيان الاحتلال للقرار بأنه "مخزي ومعادي للسامية"وانتقاد الرئيس الأميركي جو بايدن للقرار ووصفه بالـ"الشائن "وتهديد مايكل والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب برد قوي في يناير/كانون الثاني المقبل والتهديدات التي وُجهت للمحكمة، يؤكد بما لا يقبل الشك بأن هذا القرار كان صائباً وموجعاً وكان ربما ينقصه فقط أن يضم إلى لائحة المتهمين جو بايدن كونه شريك في حرب الإبادة التي تُمارس ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
إن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية هي بمثابة "انتصار أخلاقي" لفلسطين أكثر من أي شيء آخر، كما أنها ستعمق الضغط الدولي على إسرائيل، إذ لا يمكن لنتنياهو السفر إلى العديد من الدول الصديقة لها دون إحراج حكوماتها بالحد الأدنى.
يبقى أخيراً توجيه الشكر والتحية لقضاة المحكمة الجنائية الدولية ولدولة جنوب أفريقيا التي قادت وما زالت هذه المواجهة لتعرية قادة الاحتلال وممارساتهم الإرهابية من خلال كل من هذه المحكمة وأيضاً محكمة العدل الدولية.