علي دربج - خاصّ الأفضل نيوز
يبدو أن كلمة "إعادة تشكيل" هي المفضلة حاليًا والأكثر استعمالًا من قِبل المراقبين والخبراء على امتداد الكرة الأرضية، لوصف المخاض الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، بعد تلاشي النظام السوري وانتهاء حرب لبنان، وربما غزة قريبا.
ومع أن هذا المصطلح أعلاه (أي التشكيل) قد يكون مبالغًا فيه قليلًا، حيث إن الكثير من دول المنطقة لا تزال كما كانت عليه منذ عام مضى، فضلًا عن الفشل في القضاء على حزب الله ونزع سلاحه، لكن من المؤكد أنه مع تدمير قطاع غزة تقريبًا، ومن ثم فرار الرئيس بشار الأسد، تكون المنطقة قد شهدت مستوى من التغيير لم تعرفه منذ ما سُمّي بالربيع العربي.
المكاسب الإسرائيلية بعد حربي غزة ولبنان وسقوط الأسد
في الحقيقة، نجحت إسرائيل من خلال سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها في كل من غزة ولبنان، وسوريا بنسبة أقل ــ بالاعتماد على الدعم الغربي العسكري والسياسي والدبلوماسي المفتوح، خصوصًا الأمريكي ــ بفرض واقع مؤلم في تلك البلدان؛ ففي غزة، وظّفت تل أبيب آلتها العسكرية والاستخباراتية المتفوقة، وفتكت بالحجر والبشر هناك، وصولًا إلى إقامة مناطق احتلال دائمة، قد تمهّد مستقبلًا للاستيطان في القطاع.
أما في سوريا، فقد اغتنم الكيان فرصة سقوط الأسد، فاحتل جيشه المنطقة العازلة المحاذية للجولان، وسيطرت قواته على مساحة داخل الأراضي السورية، تبلغ حوالي 25 كيلومترًا (باعتراف قادتها)، بعد أن شنّت أكبر حملة جوية في تاريخها ضد دمشق، وقضت على كامل القدرات العسكرية السورية البرية والجوية والبحرية واللوجستية، إلى حد أن إعادة بناء الجيش السوري باتت تتطلب البدء من الصفر.
في المقابل، وفي حين عجزت إسرائيل في لبنان عن تحقيق جميع أهدافها، وفي مقدمتها إفراغ جنوب الليطاني من السكان (بفضل استبسال وشجاعة المقاومين اللبنانيين)، فإن ما لم تحققه بالقوة العسكرية، حصلت عليه سياسيًا ودبلوماسيًا، بفضل اتفاقية وقف إطلاق النار (المثيرة للجدل والمبهمة في نصوصها)، التي كانت رعتها الولايات المتحدة، ووافقت عليها الأطراف اللبنانية، وبالتالي، أصبحت دولة الاحتلال تمتلك تأثيرًا مدعومًا بالاستخبارات وحرية العمل في كل من لبنان وسوريا،وبديهيا في غزة.
ماذا عن تركيا؟
بالمثل، كان سقوط الأسد بمثابة الجائزة الكبرى لتركيا، بعدما جعلت من دمشق مجال نفوذها الفعلي. فالجماعات التي دعمتها خلال الحرب الأهلية السورية، اجتاحت سوريا في وقت سابق من هذا الشهر، وبسطت سلطتها على معظم أنحاء البلاد. وهذا بدوره أعطى أنقرة أوراق قوة إضافية، على حساب كل من إيران وروسيا
كيف ستُترجم المكاسب الإسرائيلية ـ
التركية في الشرق الأوسط؟
عمليًا، سيحتاج النفوذ الغربي في المنطقة الآن إلى أن يُدار بشكل أقرب، من خلال هاتين القوتين، أي أنقرة وتل أبيب، فالولايات المتحدة سترغب في الحفاظ على ما تزعم أنه "عمليات مكافحة الإرهاب" والمراقبة في الشرق الأوسط، وقبل كل شيء، وهنا الأهم، احتواء إيران، التي قد تُعهد إلى إسرائيل بشكل كبير،
لكن نظرًا لأن هذه المهمة قد تحمل الكثير من المخاطر على العدو الصهيوني، فقد تبتز إسرائيل، واشنطن والغرب للحصول على أكثر من مجرد مساعدات عسكرية مقابل ذلك. إذ من الممكن أن يشمل ذلك اشتراط الكيان الغاصب على واشنطن الموافقة على ضم الضفة الغربية.
ولهذه الغاية، كتب ألف بن، محرر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية اليسارية، في مجلة "فورين أفيرز" في أكتوبر/ الماضي، أن الهدف المعلن لتحالف نتنياهو هو "خلق دولة يهودية من النهر إلى البحر، مع تمديد محدود إن لزم الأمر، ولكن يُفضَّل من دون حقوق سياسية للمواضيع غير اليهودية، حتى أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية".
على المقلب الآخر، تسعى أوروبا بشكل يائس إلى الحصول على الغاز الطبيعي لتعويض وارداتها من روسيا. من هنا، يفتح سقوط الأسد الباب واسعًا من جديد أمام إحياء مشروع خط الأنابيب من قطر إلى تركيا، الذي يمر عبر سوريا، والذي تم حظره من قبل الأسد في 2009 بناءً على طلب من روسيا.
وعلى الرغم من أن هذا المشروع سيتيح للأسواق الأوروبية الوصول إلى الغاز القطري، فإن حاجة أوروبا لتركيا أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، بسبب امتلاك أنقرة القوة العددية الأكبر في حلف الناتو، خصوصًا مع تراجع ضمانات الأمن الأمريكية غير المؤكدة للحلف. كما تبرز أهمية تركيا بالنسبة لواشنطن من خلال التعاون المشترك في مجالات أمنية واستخباراتية متعددة في المنطقة.
أردوغان وفرصة إنهاء القضية الكردية
لطالما اشتهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأوساط الدبلوماسية العالمية، بأنه تاجر بارع. تبعًا لذلك، سيطلب الأخير، تنازلات مقابل التعاون مع أمريكا في هذه الجبهات. أما الجائزة التي يتطلع للفوز بها، فتتمثل بإنهاء "القضية الكردية"، لا سيما وأنه أصبح الآن يمتلك الأوراق التي تؤهله للقيام بهذا الأمر، حيث سيطمح لانتزاع حرية التصرف عسكريًا ضد وحدات حماية الشعب (YPG) في شمال شرق سوريا والقضاء على طموحات الأكراد المزعجة في إقامة دولة، وتعقيبًا على ذلك، قال وزير الدفاع التركي يعقوب جولر مؤخرًا في مؤتمر صحفي: "في الفترة الجديدة، سيتم القضاء على منظمة PKK/YPG الإرهابية في سوريا عاجلًا أم آجلًا".
في المحصّلة:
نظرًا للسياسة الخارجية القائمة على الصفقات التي ينتهجها الرئيس الأميركي القادم، دونالد ترامب، واليأس الأوروبي في ضوء التهديد الروسي القادم، فإن الاحتمالات تصب في صالح حصول هاتين الدولتين ـــ صاحبتَي المصلحة الإقليميتَين (أي تركيا وإسرائيل) ــــ على ما تريدانه بشكل أو بآخر، وهذا يعني إذعان الغرب لإخضاع أعدائهم، والاستيلاء على أراضيهم. لذا، فإن لسان حال كل من تل أبيب وأنقرة يردد اليوم: "اهتفوا للسوريين، والعنوا الإيرانيين، ولكن لا تفكروا في الأكراد والفلسطينيين" - وهم من المرجّح أن يُحكم عليهم، في الوقت الحالي، بالحرمان من الجنسية.