عبدالله قمح - خاصّ الأفضل نيوز
التوغلات الأخيرة التي قام بها العدو الإسرائيلي خلال الساعات الماضية تجاه قرى في القطاع الشرقي من جنوب لبنان ووصل إلى عمق بلغ حوالي 8 كيلومترات قبل أن يعود ويتراجع، لا تهدف إلى البحث عن مواقع أو منشآت عسكرية تابعة للمقاومة، إنما استكشاف المنطقة عسكرياً والعمل على فرض أمر واقع فيها إلى جانب تنفيذ مهمة تقوم على قطع أوصالها من خلال رفع السواتر وتدمير الطرقات الرئيسية، وإيصال رسائل من أن هذه المنطقة تحديداً باتت منطقة عسكرية مغلقة يمنع دخولها، وهذا كله يأتي في سياق مخاوف من عمل العدو على تكريس ما تسمى "منطقة عازلة" ضمن جنوب الليطاني.
للوصول إلى هذا الهدف، أنجز العدو الإسرائيلي وما زال عمليات تفجير واسعة استهدفت قرى الحافة الأمامية، لاسيما واجهات هذه القرى التي تقع في مواجهة الخط الحدودي. ما خلفها الحق به العدو بطشاً غير مسبوق من خلال عمليات تدمير ممنهجة وتسوية المنازل بالأرض بالإضافة إلى تجريف الطرقات الداخلية والكثير من تلك الفرعية، بالإضافة إلى الأراضي والمزروعات على اختلافها، بشكل أدى إلى إدخال تغيير دراماتيكي ممنهج في الشكل الهندسي للكثير من القرى.
الآن يحاول العدو التمدد باتجاه قرى لم ينجح في عبورها، ليس في زمن الحرب الأخيرة حيث لم يحاول (كبلدات القنطرة أو عدشيت القصير) إنما لم يستطيع بلوغها خلال حرب تموز عام 2006 نتيجة للمواجهات الشرسة مع المقاومة، فاضطر بهدف بلوغ وادي الحجير إلى النزول متخذاً مسلكاً برياً معقداً ملتفاً على مجموعة قرى. ويفهم أن ما يرمي العدو إلى إنجازه الآن في تلك القرى، عبارة عن محاولة توسيع ما يسمى "الشريط الأمني" الذي يطمح لإنشائه، من خلال عمليات العرقلة والتخريب التي تصاحب عادة تطبيق أي خطط مماثلة، بالإضافة إلى تأكيده إخلائها من سكانها. ولا بد من الإشارة إلى أن بلدات القنطرة، دير سريان، عدشيت القصير، عادت إليها عائلات كثيرة من سكانها الأصليين، وهؤلاء رغم التحذيرات الإسرائيلية اليومية المتوالية يتواجدون فيها ولو أنهم يتجنبون التحرك في أوقات الليل. تقدم العدو بهذه الطريقة يفهم منه أيضاً نية في جعل هذه القرى غير مأهولة تماماً، أو عملياً تطبيق تهديداته من خلال التدخل العسكري المباشر وهو ما حصل فعلاً.
عملياً، يأتي كل ما تقدم استلحاقاً لأي تطور محتمل حدوثه مع قرب انقضاء مهلة الـ60 يوماً الواردة في نص اتفاق وقف الأعمال العدائية الساري المفعول منذ 27 تشرين الثاني الماضي (تنتهي يوم 27 كانون الثاني المقبل)، إذ يؤسس العدو الإسرائيلي ويشير بشكل دائم ومستمر، إلى أنه ليس في صدد الالتزام بمهملة الانسحاب المنصوص عنها، وهو الأسلوب نفسه الذي قد يعتمده العدو في ما يلي انقضاء المهلة من أيام وأسابيع وسط مؤشرات إسرائيلية واضحة حول نيته الإبقاء على جزء من قواته في بعض القرى المتقدمة، وهذا البقاء يفرض عليه، نظرياً، تأمين القرى المحاذية والمحيطة لأماكن تواجده عبر عزلها وتقطيع أوصالها.
هناك اعتقاد لبناني شبه راسخ الآن، مفاده أن العدو الإسرائيلي في صدد التذرع بعدم تطبيق لبنان ما عليه من التزامات واردة في نص الاتفاق لناحية انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني وتفكيك منشآت المقاومة وانسحاب الأخيرة الكامل من جنوب النهر والبدء بتفكيك قدراتها حتى في شماله، وبالتالي إن الجيش اللبناني لم يقم بالالتزام بما نص عليه التفاهم، مع الإشارة إلى أن العدو هو السباق في الخروقات وعدم التطبيق أو الالتزام. وعليه سيكون الجيش الإسرائيلي هو البديل القادر على إيجاد الحلول، انسجاماً مع نص سابق سقط من الاتفاق لكنه لم يسقط من عقل العدو، ويقوم على فكرة أن التصرف يعود إلى العدو في حال عدم قدرة الجيش اللبناني على تحقيق المطلوب.
من شأن ما تقدم أن يعيد نمط الحرب إلى مسارها السابق، أو له أن يجدد القتال مرة أخرى، ولو أن ثمة محاولات تجري الآن لعدم الوصول إلى هذه النتيجة. وسجل خلال الأيام الماضية ازدياداً واضحاً في حجم ومستوى الاتصالات اللبنانية الرسمية مع الخارج، للحؤول دون تطور الأوضاع، وفي محاولة لبنان للضغط على الدول المعنية من أجل إلزام إسرائيل بالانسحاب من المواقع والقرى التي يحتلها. وإن كانت الحالة الأبرز الآن في عدم تفاعل أي من الجهات من الطلبات والضغوطات اللبنانية، ثمة خشية داخلية حقيقية من محاولة إلصاق تهمة عرقلة تنفيذ الشروط في ظهر لبنان! وليس سراً أن دولاً معنية تطلب من الحكومة اللبنانية أن تفحص مدى التزام حزب الله بتطبيق مندرجات الاتفاق وأولها الانسحاب من جنوب الليطاني، ما فهم منه أن هذه الدول + إسرائيل، تنتظر انسحاب حزب الله كي يباشر العدو انسحابه، أو هي تتذرع بعدم قيام الحزب بالانسحاب، مع الإشارة إلى أن الاتفاق نص على انسحاب متزامن سواء من الحزب أو العدو ودخول الجيش اللبناني وهو ما لم يتم تسجيله لغاية هذه اللحظة.