عماد مرمل - خاصّ الأفضل نيوز
منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية في أواخر كانون الثاني الماضي، لا يزال العدو الإسرائيلي يواصل الحرب بالتقسيط أو بالمفرّق، من دون أي احترام للاتفاق الذي وافق عليه برعاية دولية.
وتحظى الاعتداءات الإسرائيلية المتعددة الأشكال بتفهم أميركي، في ظل جموح وجنوح إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يبدو وكأنه يتنافس مع رئيس حكومة العدو بنيامين نتتياهو على نيل جائزة الشخصية الأكثر تهورا وغطرسة في العالم، بحيث إن كلا منهما بات يزايد على الآخر في تعجرفه و"سلبطته."
من استمرار الاحتلال لبعض التلال اللبنانية الاستراتيجية وإيجاد حزام أمني جديد، إلى الاغتيالات المتفرقة لكوادر في حزب الله وحركة حماس، مرورا بالغارات المتنقلة بين الجنوب والبقاع والخروقات اليومية للسيادة اللبنانية عبر المقاتلات الحربية والمسيّرات التجسسية، يستمر العدو من جانب واحد في الأعمال القتالية ضد لبنان، مستفيدا من الغطاء الأميركي الذي يمنحه حرية الحركة ضد أي تهديد حتى لو كان خياليا وافتراضيا.
ولم يكتف جيش الاحتلال الإسرائيلي بهذا المقدار من الارتكابات، إنما قرر أيضا أن يعاود استخدام سلاح الحرب النفسية حيث أرسل طائرة درون مزودة بمذياع فوق قضاء صور، راحت تحرض على حزب الله متهمة إياه بأنه "يحاول خرق اتفاق الهدنة وقرار وقف إطلاق النار بعرقلة عمل الجيش اللبناني وبذلك يهدد أمن لبنان ويُنذر بفتح أبواب جهنم"، إمعانا في سياسة التهويل والتخويف.
لكن المفارقة تكمن في أن كل هذه الإجراءات العدوانية الإسرائيلية لم تنجح بعد في إقناع أغلب سكان مستوطنات الشمال بالعودة إلى منازلهم، ومن عاد منهم بدا مسكونا بهاجس حزب الله وبالخوف من شبحه القريب على رغم من أن معظم البلدات الأمامية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة سويت بالأرض تقريبا لإيجاد نوع من المنطقة العازلة التي يراد منها إراحة المستوطنين، إلى جانب أن قوات الاحتلال لا تزال تتواجد في بعض الأماكن المطلة على شمال فلسطين، سعيا إلى طمأنة النازحين من المستعمرات وتحفيزهم على العودة، إلا أن ما يحصل على الأرض هو معاكس تماما لما تخطط له قيادة العدو، كما تبين مما صرحت به إحدى الإسرائيليات المقيمات في مستوطنة قريبة من الحدود مع لبنان حيث اعترفت بأنها لا تنام جيدا في الليل نتيجة شدة الخوف وبأنه كلما يصدر عن الأبواب في منزلها صوت يدب الذعر في قلبها.
أما على الضفة اللبنانية، فإن النازحين مصرون على العودة بأي شكل ممكن إلى قراهم، ومن ضمنها تلك التي تقع على الخط الأمامي، إلى درجة أن أعدادا منهم استعانوا بييوت جاهزة قدمتها إحدى الجمعيات الاجتماعية من دون الانتظار حتى يعاد بناء المنازل المهدمة.
ووسط هذا الواقع، لم تفلح بعد "الأسلحة الدبلوماسية" للدولة الدبلوماسية في تحربر التلال المحتلة ومنع الاستهدافات المتكررة للأراضي اللبنانية، وسط محاولة بعض الجهات اللبنانية تبربر السلوك العدواني الإسرائيلي من خلال اتهام حزب الله بأنه لم ينفذ حتى الآن كل مقتضيات القرار 1701 من جنوبي الليطاني إلى شماله، على أن اللافت هو قول وزبر الخارجية يوسف رجي:
"يعطونا سنة.. وإذا ما انسحبت إسرائيل منبقى منشوف."
وإزاء الاستهداف الإسرائيلي المتمادي للداخل اللبناني والعجز الرسمي لغاية الآن عن لجمه، تستهجن أوساط سياسية حليفة لحزب الله أن يطرح البعض الآن مسألة نزع السلاح بالكامل من دون أن تكون هناك أي ضمانات بديلة لحماية البلد، سواء من الخطر الإسرائيلي المباشر او من الرياح التي قد تحملها التطورات السورية التي تنذر بالأسوأ على وقع تصاعد النزاعات الأهلية ومحاولة الاستثمار الإسرائيلي فيها لتفتيت سوريا والمنطقة.
وتنبه الأوساط إلى أن التخلي عن سلاح المقاومة من دون وجود جيش قوي قادر علي مواجهة التحديات سيؤدي إلى مزيد من الانكشاف للبنان.