د. أكرم حمدان - خاصّ الأفضل نيوز
تنطلق غدًا الأحد الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، وسط كم هائل من الأسئلة التي تُحيط بهذا الاستحقاق الدستوري الذي يُفترض أنه استحقاق ديموقراطي وأحد أوجه الممارسة الديموقراطية، فهل الالتزام بالمواعيد أهم من الإصلاحات في متن القانون مثلًا؟ وماذا عن تداخل الصلاحيات ودور المجالس البلدية والمخاتير في عملية التنمية والتطوير والتحديث؟ وماذا عن العشائرية والحزبية والعائلية والطائفية والمذهبية البغيضة؟ وماذا عن شروط الترشح لهكذا مواقع يفترض أنها للخدمة والمصلحة العامة؟ وماذا عن النفوذ المالي وغيره؟
كثيرة هي الوقائع والتجارب التي تتطلب التوقف عندها للبحث والنقاش الجدي في أهمية هذا الاستحقاق ويكفي للاستدلال على ذلك عدد المجالس البلدية المنحلة أو المستقيلة نتيجة التركيبات الفوقية والخلافات الحزبية والعائلية والشخصية أحياناً والتي تنعكس سلباً على مصلحة البلدات والمدن والقرى وتُعطل أي إمكانية لتنفيذ المشاريع التنموية والتطويرية.
فرغم مرور أكثر من قرن على صدور أول قانون ينظّم عمل البلديات، لا تزال الثغرات في قانون الانتخابات البلدية تعيق وصول الأكفأ، فالقانون المعتمد حاليّاً، والذي يعود إلى العام 1977 مع تعديلات محدودة لاحقة، يعاني من ثغرات قانونية كبيرة تجعله غير مواكب لاحتياجات الحكم المحلي العصري.
فالقانون الحالي يعاني من ثغرات تقف حائلاً أمام تطوير عمل البلديات وأدائها. فالقانون أولاً بات قديماً ولا يواكب العصر والتطوّر التكنولوجي، فأين البلدية الإلكترونية مثلاً التي تُنظم شؤون الناس وتتابع احتياجاتهم.
كذلك فإن توزيع السلطة في المجلس البلدي بين الرئيس كسلطة تنفيذية وأعضاء المجلس كسلطة تقريرية يُعرقل العمل ويؤدي إلى تضارب في الصلاحيات، ويجعل دور المجلس البلدي شبه معدوم خصوصاً عند وجود خلافات، ما يؤدي إلى إيقاف تنفيذ المشاريع.
أيضاً هناك تعدّد في المرجعيات الرقابية التي تمارس على البلديات بين القائمقام والمحافظ ووزير الداخلية، وهذا يساهم في تأخير تنفيذ المشاريع وتلبية احتياجات المواطنين، بينما المطلوب هيئة رقابية واحدة منوط بها تنفيذ الرقابة على البلديات إلى حين إقرار قانون اللامركزية الإدارية.
فهناك من يقول بأن اللامركزية الإدارية هي الكفيلة بنقل لبنان إلى مرحلة متقدّمة من الإنماء والتطور حيث يمكن أن تتحوّل كل بلدية إلى حكومة مصغّرة تتمتع باستقلال مالي وإداري، وتشرف على تلبية احتياجات المواطنين في نطاقها.
وتبقى الثغرة الأهم في قانون البلديات، هي في تمويل الدولة للبلديات عبر الصندوق البلدي المستقل، بينما قانون اللامركزية الإدارية، يعطي البلدية صلاحية تأمين مواردها المالية الخاصة بها بمعزل عن الحكومة ويؤمن لها الاستقلالية المالية لتتمكن من تنفيذ مشاريعها الإنمائية.
كذلك يجب أن يتضمن القانون ومن باب الإصلاحات، مسألة تحديد شروط الترشح، إذ علينا ونحن في القرن الـ21 الخروج والتخلي عن عبارة"يجيد القراءة والكتابة" وتحديد شهادة علمية كحد أدنى بكالوريا مثلاً، وكلنا يعلم الأخطاء التي تُرتكب من المخاتير في هذا المجال وما ينتج عنها من مشاكل، كما أنه لا يجوز أن يبقى الترشح مفتوحًا دون تحديد ولايتين متتاليتين مثلاً للرئيس والأعضاء عملًا بمبدأ تداول السلطة، وتفادياً لتحكم المال الانتخابي، أو العصبية الحزبية والعشائرية والطائفية والمذهبية وغيرها.
كذلك يجب أن يتضمن القانون نصاً يفرض وجود نسبة معينة في المجلس البلدي من أصحاب المهن الحرة لكي يُساهموا في وضع خبراتهم في عملية التنمية إلى جانب جيل الشباب وطبعًا العنصر النسائي ودوره.
ولماذا لا يلحظ القانون المقيمين في البلدة، وحقهم باختيار المجلس البلدي خصوصاً وأنهم يدفعون الرسوم وكل ما يتطلبه القانون حيث يقيمون وبالتالي بات من حقهم المشاركة في اختيار من سيدير شؤون بلدتهم أو مدينتهم.
هذا غيض من فيض التساؤلات والأفكار والمقترحات التي يُمكن أن تناقش وتُضاف إلى قانون البلديات والتي تُعتبر أهم من الانتخابات نفسها، لأنه ليس مهماً أن نقول وندعي أننا أنجزنا استحقاقاً دستوريًّا في موعده وبعد أشهر تبدأ عملية التفكك في المجالس البلدية والتحلل وتعطيل دورها.
ولماذا لا يُعتمد الميغاسنتر في عملية الاقتراع في كل الانتخابات بمختلف أنواعها وأشكالها.
يبقى أن الأهم من الانتخابات هو إصلاح القانون وإلا فلا داعي للتغني بممارسة الديموقراطية التي لا تُنتج سوى التعثر والتراجع وغياب التنمية والتطوير والتحديث على المستوى المحلي والذي ينعكس حكماً على الصعيد الوطني العام.