طارق ترشيشي - خاصّ الأفضل نيوز
انتهت الانتخابات البلدية والاختيارية وبدا الجميع يراجعون حساباتهم ويقيمون النتائج ويقيسونها بقياس ما يمكن أن تكون عليه الانتخابات النيابية في أيار 2026 التي ينتظر أن تكون مفصلية بامتياز بالنسبة مستقبل لبنان والتوازنات السياسية فيه.
وفي ضوء النتائج الانتخابات البلدية ستنصرف القوى السياسية للتحضير للانتخابات النيابية على أرض الواقع وعلى مستوى نسج التحالفات الانتخابية، وربما السياسة، بحيث سيحاول كل طرف معالجة نقاط ضعفه وتعزيز مكامن قوته مستفيدا مما حققه من نتائج في الانتخابات البلدية ليبني على الشيء مقتضاه خصوصا وأن الانتخابات المقبلة ستكون بالنسبة إلى جميع الأفرقاء بمثابة معركة وجود في الحياة السياسية التي ستفتح صفحة جديدة فيها من خلال السلطة الجديدة التي ستنبثق من تلك الانتخابات.
وتقول مصادر متابعة لموقع "الأفضل نيوز" أن الانقسام السياسي السائد في البلد مرشح للاستمرار وربما للتفاقم حتى موعد الانتخابات النيابية، لأن التنافس بين الأفرقاء على الفوز بالسلطة الجديدة سيكون على أشده، إذ إن أي فريق سيفوز بالأكثرية النيابية سيقيم هذه السلطة.
ومن المتوقع أن تسخر لهذه الانتخابات إمكانات ضخمة لوجستية وسياسية وستتصاعد معها حملات شد العصب السياسي والطائفي وصولا إلى حد أقدام البعض على استخدام المحرمات بلا أي وازع للوصول إلى غايته، مستفيدا من المتغيرات والتطورات الجارية في لبنان والمنطقة ومشاريع التسويات المطروحة لمجمل الأوضاع الإقليمية.
وقد أظهرت نتائج الانتخابات البلدية أن الفريق المناوئ لثنائي حركة "أمل" وحزب الله وحلفائه قد وقع في شر أعماله لأن حملته على هذا الثنائي ومحاولة إظهاره بأنه انهزم عسكريا وسياسيا نتيجة العدوان الإسرائيلي وعليه تقديم التنازلات سواء في موضوع نزع سلاحه أو على مستوى الموقف السياسي، قد فشلت فشلا ذريعا لأن البيئة الحاضنة لهذا الثنائي التي راهن البعض على تفككها ازدادت تماسكا وصلابة بل وأكثر التحاما به بدليل فوز كل لوائحه في الانتخابات البلدية، وهذا الأمر ينتظر أن يتكرر وبشدة أكثر في الانتخابات النيابية المقبلة.
لكن تبادل الحملات سيبلغ أشده يوما بعد يوم حتى موعد الانتخابات النيابية التي ستشهد منافسة كاسحة بكل ما للكلمة من معنى.
وعمليا فإن الانتخابات النيابية التي ستتدخل فيها هذه المرة أطراف كثيرة داخلية وخارجية ماديا وسياسيا، ستكون تسابقا بين الفريقين المتنافسين على استثمار ما يعتبره نقاط قوة لديه لإلحاق هزيمة بالفريق الآخر، أو على الأقل عدم تمكينه من الفوز بالأكثرية النيابية التي تؤهله تكوين السلطة الجديدة، وإن لم يفز أي فريق بالأكثرية فإن المشهد النيابي الحالي قد يتكرر مجددا. خصوصا إذا فاز ثنائي حركة "أمل" وحزب الله بكل المقاعد الشيعية في البرلمان لأنه بذلك يسقط محاولات الفريق الآخر للاستحواز على رئاسة المجلس النيابي حتى ولو فاز هذا الأخير بالأكثرية النيابية وسيضطره الأمر إلى دخول في تسوية مع هذا الثنائي وحلفائه وإلا ستدخل البلاد في طور جديد من الأزمة، على أن المنافسة الانتخابية ستبلغ أشدها مسيحيا بين "التيار الوطني الحر" ومن سيتحالف معهم وبين القوات اللبنانية وحلفائها الذين ينظرون إلى التيار على أنه ضعف وتراجعت شعبيته في الشارع المسيحي ونتيجة ما أصابه من تفكك على مستوى كتلته النيابية بخروج بعض أعضائها منها ومن التيار في الوقت نفسه. ولكن التيار سيعاود نسج التحالف مع "الثنائي" (وكان فوزه في انتخابات بلدية جزين أحد معالمه) بما يمكنه من الفوز بأكبر عدد ممكن من النواب المسيحيين. والمتوقع أن تعاود المياه إلى مجاريها أقله انتخابيا، بينه وبين الثنائي الذي يرى أن هناك ضرورة كبيرة بعدم تمكين "القوات اللبنانية" من الفوز بغالبية المقاعد النيابية المسيحية لأن ذلك من شأنه أن يخل بالتوازن الواجب الوجود في الشارع المسيحي.
في المقابل فإن "القوات" وحلفائها سيحاولون الاستفادة ما أمكنها من دعم خارجي ومن التطورات الجارية في لبنان والمنطقة للفوز بالأكثرية النيابية اعتقادا منهم أن هذا الأمر مكنهم من الفوز بالسلطة وبالتالي إقصاء الآخرين عن المشاركة فيها . خصوصا في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على الثنائي الشيعي وبيئته والضغط الأميركي لنزع سلاح المقاومة والمعبر عنه بتصريحاات المسؤولين الأميركيين من الرئيس دونالد ترامب آلة الموفدة الإميركية إلى لبنان موغان اورتاغوس. وفي هذا السياق يتوقع "الثنائي" استمرار المحاولات الخارجية ولا سيما منها الأميركية لمنع أو تأخير عملية إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي عبر منع وصول المساعدات المالية المطلوبة ( 8 الى 10 مليارات من الدولارات) لاعتقاد الأميركيين وكل من يدور في فلكهم من قوى سياسية لبنانية ومن دول تتعاطى بالشأن اللبناني أن هذا الأمر سيؤثر سلبا على البيئة الحاضنة لهذا الثنائي ويدفعها إلى تبديل خياراتها في الانتخابات النيابية، وقد دلت الانتخابات البلدية الأخيرة على بعض المؤشرات في هذا الاتجاه.
وفي أي حال تقول المصادر المتابعة لموقع "الأفضل نيوز" إن كل المؤشرات تدل من الآن أن الانتخابات المقبلة، ستشهد توازنا في القوى يحفظ للجميع وجودهم في الحياة السياسية لأنه قد لا يتمكن أي منهم من الفوز بالأكثرية النيابية، وهذا الأمر الذي إذا حصل سيبقي البلاد في دائرة التسويات والاستمرار في تأجيل معالجة الأزمات.